ضمن عروض قسم آفاق مفتوحة خلال الدورة الواحدة والخمسين من مهرجان سالونيك الدولي باليونان، عرض فيلم «شهادة» للمخرج الألماني ـ من أصل إيراني ـ برهان قرباني (30 عاما) والذي ينتمي الى الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين الى أوروبا، حيث ان أبويه هاجرا من افغانستان الى ألمانيا في بداية الثمانينيات. فيلم «شهادة» من نوعية الأفلام التي من المفيد ان نتعرف على خلفية مخرجها، لأنها غالبا ما تكون نابعة من تجارب أو مواقف حياتية شخصية أو من المجتمع الذي يعيش فيه المخرج، والذي بدوره يفرز كثيرا من الأسئلة والهموم التي يحاول المخرج طرحها على الجمهور لعله يجد لديه الاجابة عنها من ناحية أو يشركه في محاولة البحث عن اجابة كنوع من التوحد الفني والإنساني الذي تصنعه السينما.
يكشف عنوان فيلم «شهادة» كثيرا من الأفكار التي تتعرض لها التجربة في جرأة كبيرة، فالشهادة المقصودة في العنوان هي قول الشهادتين بنية صادقة أمام شاهد موثوق الذمة، وذلك لدخول الإسلام، ومع الخوض في تفاصيل الفيلم نكتشف انه يحاول التعرف على جوهر الإيمان الفعلي، وليس مجرد نطق الشهادتين، الإيمان هنا هو الإنساني الأخلاقي لا الديني.
الأزمات الثلاث التي يتعرض لها أبطال الفيلم هي في الحقيقة أزمات اجتماعية أكثر منها ازمات روحية أو دينية، فالأديان كلها تحرم الشذوذ وليس الإسلام فقط، والأديان كلها تحرم الاجهاض وتدين الزنى. لكن المخرج هنا يتحدث من قلب المجتمع الإسلامي الأوروبي الذي عايشه أو حاول ان يتعايش معه، فبدت احداث الفيلم متمحورة حول دور الإسلام في حياة هؤلاء، ومدى نجاحه في انتشالهم من مشكلاتهم.
انها رسالة أكبر من قدرة المخرج على تناولها، لذلك جاءت بعض مناطق الفيلم تحتوي سذاجة أو افتعالا فكريا، بل ودينيا، مثل مشهد مصارحة سامي أمه بأنه يشعر بمشاعر شاذة تجاه زميله، فتقول له أمه ان ذلك حرام وان عليه فقط ان يصلي ليغفر له الله، بينما يحاول الإمام ان يبدو أكثر تنورا وعقلانية من أم سامي، فيقول له ان عليه ان يفهم جوهر الدين وجوهر اختيار المرء أفعاله في مشهد بدا شديد الغموض، بل وربما أسيء فهمه ايضا من قبل المتفرج غير المسلم.
ويلاحظ في الفيلم ان جيل الآباء ـ وهو الجيل الأول من المهاجرين ـ يبدو أكثر اتساقا مع اسلامه من الجيل الثاني، خاصة شخصية الإمام الأب والمرأة السوداء أم سامي، ولكن احدهما يمثل الجانب المتنور الذي يحاول تجديد الخطاب الديني من اجل ان يناسب عقلية الشباب، بينما تبدو الأم نموذجا للقبول المطلق دون تفكير، بل طاعة عمياء لمبدأ «الحلال بين والحرام بين» دون ان تكون هناك مساحة لأي أمور بينهما يمكن ان تكون متشابهات.