رغم عدم وجود صفوف متراصة من الزبائن المتلهفين أمام متاجر الكمبيوتر في طهران في اليوم الذي تم فيه طرح جهاز «آي باد» من إنتاج شركة «آبل» في العام الماضي الا ان هذا الكمبيوتر اللوحي الذي أصبح أحدث جهاز يتعين اقتناؤه بدأ يظهر بهدوء في المتاجر الإيرانية رغم العقوبات المشددة.
وخلال الأمسيات التي تسودها البرودة في الآونة الأخيرة اكتظ مركز «بايتخت» الفاخر بشمال طهران بالشبان المتلهفين على التكنولوجيا ممن يبحثون عن أحدث منتجات رقمية إما للعمل أو التسلية.
والمنتجات ربما تكون من شركة «آبل» ـ تلك الشركة العملاقة للتكنولوجيا من بلد تصفه إيران بالشيطان الأعظم ـ وكانت تجتذب متسوقين أكثر من أي شيء آخر في متجر للالكترونيات متعدد الأقسام والطوابق.
وقال مهنوش توكلي (36 عاما) وهو أحد المتسوقين اشترى لتوه «آي باد»: «ان العثور على أحدث منتجات التكنولوجيا المتقدمة الأميركية الصنع بهذا السعر الرخيص في بلد يتعرض لعقوبات أميركية مشددة أمر مذهل».
وفي طهران يتراوح سعر «آي باد» بين 680 دولارا و1100 دولار تبعا للطراز. كما ان أقل سعر للهاتف «آي فون 4» هو 880 دولارا. وهذه الأسعار مماثلة لما يدفعه المتسوقون لمنتجات مماثلة في بريطانيا على سبيل المثال.
فرضت واشنطن حظرا على أغلب التعاملات التجارية بين الولايات المتحدة وإيران منذ عام 1979 بعد قيام الثورة الإيرانية واحتلال السفارة الأميركية في طهران وما تلا ذلك من أزمة الرهائن.
وجرى منع الشركات الأميركية من التعامل مع إيران خاصة فيما يتعلق بمشاريع النفط والغاز. كما لا يمكن تصدير بضائع أو خدمات من إيران إلى الولايات المتحدة باستثناء مواد غذائية بعينها والسجاد.
ومنذ عام 2006 تتعرض إيران لتشديد العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتهدف إلى كبح جماح البرنامج النووي التي تخشى بعض الدول أن يجري استغلاله في صنع أسلحة نووية وهو ما تنفيه إيران.
وفرضت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون عقوبات عقب عقوبات الأمم المتحدة بهدف تعجيز إيران عن الاستفادة من الخدمات المصرفية الدولية وعرقلة الاستثمارات الخارجية في قطاع النفط والغاز الحيوي في إيران.
لكن كل تلك الإجراءات لم تمنع البضائع ذات الماركات الأميركية من أن تجد طريقها للسوق الإيرانية.
وقال بهمان وهو صاحب متجر يبيع منتجات «آبل» طلب عدم نشر اسم عائلته «ربما أدت العقوبات الدولية إلى فرض مزيد من القيود على التجار الإيرانيين لكنهم تعلموا كيف يلبون احتياجاتهم».
وأصبحت البضائع المستوردة في إيران مصدرها أوروبا أو آسيا أساسا. لكن في المجال الرقمي هناك سهولة نسبية في العثور على منتج مصنوع في الولايات المتحدة أو بترخيص من شركة أميركية.
وأضاف بهمان: توفر لدينا «آي باد» في طهران بعد أقل من شهر من وصوله السوق العالمية، كانت الحال كذلك مع ماركات أميركية أخرى مثل «ديل» أو «هيوليت باكارد» أو «بلاك بيري» أو «موتورولا».
ويوجد بالهواتف الذكية مثل «آي فون» و«بلاك بيري» التي تصنعها شركة «ريسيرش ان موشن» الكندية عدة تطبيقات لا يمكن الحصول عليها عبر شبكات الاتصالات التي تفرض عليها رقابة مشددة في إيران. لكن هذه القيود المفروضة على استخدامها لم تقلل من إعجاب الإيرانيين الذين يعشقون اقتناء أحدث الطرز بها.
وقال بهمان: «الناس في إيران لديهم رغبة لمواكبة العالم في استخدام أحدث المنتجات الالكترونية، حتى وإن كانت بعض خصائصها لا تعمل هنا».
ومن بين الخصائص للمنتجات الرقمية الجديدة تطبيق «تويت ديك» في «آي باد» لمستخدمي موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أو«كيندل» الذي يتيح للمستخدمين تحميل الكتب الالكترونية من موقع «أمازون» على الانترنت لبيع الكتب وهي لا تعمل في إيران بسبب القيود المفروضة على الانترنت.
وفي حين أن مسؤولين أميركيين يؤكدون أن العقوبات هي المسؤولة عن إعاقة التنمية في البرنامج النووي الإيراني فإن الوضع مختلف في قطاع التكنولوجيا الشخصية.
وتقول شركات البيع بالتجزئة والمستهلكين إنه إذا كان هناك أي عامل يبطئ من التجارة في المعدات التكنولوجية فإنه لن يكون العقوبات بل تراجع القوة الشرائية للإيرانيين. وهم يقولون ان السبب وراء ذلك هو السياسات الاقتصادية المحلية وليس الإجراءات الدولية المتخذة ضد إيران.
وبدأت الحكومة خفض الدعم الحكومي للوقود والمواد الغذائية في ديسمبر بهدف توفير مبالغ للدولة تصل إلى 100 مليار دولار سنويا ولجعل إيران أقل تأثرا بالعقوبات في واردات الوقود.
ومع ارتفاع تكلفة البضائع الأساسية يخشى بعض الإيرانيين من ألا يتمكنوا من اقتناء الكماليات خاصة إذا ارتفع التضخم الذي تبلغ نسبته حاليا 10% تقريبا كما يتوقع بعض خبراء الاقتصاد.
وقال أستاذ جامعي في طهران طلب عدم نشر اسمه: «أحيانا أعتقد أننا نعاني بسبب سوء إدارتنا للاقتصاد وليس العقوبات المفروضة».
ومضى يقول: «أبنائي يحبون الأجهزة التكنولوجية وكنت أشتريها لهم، لكن مع ارتفاع تكلفة المعيشة بشدة يجب أن أتحلى بقدر أكبر من الحرص بشأن احتياجاتنا الأساسية».
وقال ملائي وهو مدير شركة تستورد أجهزة الكمبيوتر ومعدات الشبكات طلب أيضا عدم نشر اسم عائلته ان الواردات ستستمر ما دام هناك طلب في السوق. وأضاف «المسألة تتعلق بالقوة الشرائية للناس».
ومضى يقول: «لم نواجه عقبات كبرى حتى الآن في شركاتنا، ليس لدي فكرة عن الصعوبات التي تواجهها الحكومة».
وتمر أغلب البضائع المستوردة عبر الإمارات العربية المتحدة خاصة دبي التي تقع على الجهة المقابلة لإيران على الخليج. وتعبر البضائع المستوردة بسبل شرعية والمهربة حيزا من المياه لا يتعدى 54 كيلومترا عند أضيق النقاط في مضيق هرمز.
وأدت العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين دبي وإيران إلى انتقادات من واشنطن. وردا على ذلك أشارت الإمارات في العام الماضي إلى أنها ستحد من دورها المستمر منذ زمن طويل باعتبارها مركزا رئيسيا للتجارة والخدمات المالية.
وفي يونيو طلب البنك المركزي الإماراتي ـ في خطوة ربما تمثل كارثة للكثير من البنوك والشركات الإيرانية التي تتعامل مع دبي ـ من المؤسسات المالية أن تجمد أرصدة عشرات الشركات كما أعد قائمة سوداء بعشرات الكيانات.
وقال مجتبى أصفهانيان وهو مدير لشركة كمبيوتر في طهران انه نتيجة لذلك فإن الكثير من الشركات الإيرانية التي تتخذ من دبي مقرا بدأت في التفكير في الانتقال إلى مكان آخر.
وقال المدير البالغ من العمر (41 عاما) ان كلا من تركيا وماليزيا باعتبارهما بلدين يضمان عددا كبيرا من السكان من الممكن أن تكون الجسر الذي يصل إيران بالأسواق في الشرق والغرب.
ومضى أصفهانيان يقول انه مع تراجع الإمارات عن علاقتها التقليدية «فإن تركيا المجاورة تبدو أكثر جاذبية للإيرانيين».
وزار السفير الإيراني في تركيا بهمان حسين بور مؤخرا الساحل التركي المطل على البحر الأسود في مهمة لتقصي الحقائق في محاولة لتقييم أحوال الموانئ هناك.
وقال ان السبب في ذلك هو أن طهران تريد «نقل جزء كبير من تجارتنا من الخليج» إلى تركيا.