منع العقاب الجسدي في المدارس في العديد من مناطق كوريا الجنوبية ترك المعلمين حائرين، في بلد تسوده الثقافة العسكرية وقد أدارته حكومات استبدادية حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
تقول جنيفر شانغ (36 عاما) وهي معلمة رياضيات في مدرسة تقع بالقرب من سيئول «لا أدري كيف يمكنني الاستمرار في صف فوضوي يضم أربعين فتى هائجا، ولا كيف أفرض الهدوء من دون معاقبتهم».
لتأديب تلامذتها، كانت تستعمل عصا من خشب الجوز، لكن السلطات التعليمية في عاصمة كوريا الجنوبية منعت العقاب الجسدي في المدارس في نوفمبر 2010، وحذت حذوها مقاطعتان.
وقد أثارت هذه القرارات جدالا حادا في كوريا الجنوبية، حيث تولي أهمية كبرى للتعليم وتعتبر العقاب الجسدي أمرا مقبولا ويتم تشجيعه.
فدخول جامعة مرموقة يحدد المسيرة المهنية، وحتى إمكانيات الزواج. وهي ضغوط تبرر، وفقا للأهل والمعلمين، اللجوء إلى الصفع أو الضرب بالعصا في حال لم ينجز التلامذة فروضهم أو بعد نيلهم علامات سيئة أو إذا ما ثرثروا. وكعقاب، يفرض على التلامذة أيضا القيام بتمارين لعضلات الذراعين عن طريق الانبطاح ومحاولة الارتفاع مرة بعد مرة بالاستناد الى اليدين او أصابع القدمين، أو إبقاء اذرعتهم مرفوعة، أو السير حول الملعب بوضعية القرفصاء.
وأظهرت دراسة حديثة أن 70% من التلامذة أو طلاب المدارس الثانوية خضعوا لعقاب جسدي. وقد أدت إصابات خطرة تسبب فيها الضرب العنيف إلى إدخال بعض المعلمين إلى السجن.
وفقا لكيم دونغ سيوك الناطق باسم اتحاد نقابات المعلمين، فإن أعداد التلاميذ الكبيرة في الصفوف والضغوط للنجاح تدفع المعلمين إلى اعتماد قواعد تأديبية صارمة.
يقول كيم «بوجود 40 تلميذا في الصف الواحد ورغبة كل الأهل في دخول اولادهم الى جامعات جيدة، تستحيل ممارسة هذه المهنة من دون عقاب جسدي»
وتضم الصفوف في كوريا الجنوبية 35.3 تلميذا كمعدل وسط، وهو احد اعلى المعدلات في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
وقد أظهر فيلم فيديو تم تصويره بواسطة هاتف نقال، معلما يشتم طفلا في الحادية عشرة من عمره ويضربه، الأمر الذي أثار صدمة كبيرة في يوليو الماضي.
فاستغل المسؤول الجديد في دائرة التعليم في سيئول هذه الجلبة لمنع كل أشكال العقاب الجسدي، وأشار الناطق باسم المكتب التربوي الى ان «العقاب الجسدي همجي وغير انساني وغالبا ما يعتبر الوسيلة الأبسط للتعبير عن الغضب. والأمر الأكثر خطورة هو أنه يجعل العنف اليومي أمرا عاديا بنظر الشبان».
ويرى المعلمون ان هذا الحظر أتى بشكل فجائي. يقول كيم دونغ سيوك «نحن نعرف أن الزمن تغير وانه لم يعد يجب علينا ان نضرب التلامذة، لكننا نريد أن نتمكن من اللجوء الى انواع عقاب أخرى».
ويشكك المعلمون في فاعلية اقتراحات السلطات التعليمية: فاستدعاء الأهل أو إرسال الأطفال إلى صفوف «للتفكير» لا يأتي بأي منفعة تذكر.
التلامذة أنفسهم منقسمون. فقد اظهر استطلاع للرأي اجري في يناير وشمل 23 الف تلميذ وطالب في الصفوف الثانوية ان 50% منهم يؤيدون العقاب الجسدي وان 40% يعارضونه و10% ليس لديهم رأي في هذا الموضوع.
يقول جيون جون سو، وهو طالب في الصفوف الثانوية في مدينة غيمشيون (وسط البلاد) «عندما يضربني احد المعلمين، أقول لنفسي إن ذلك يحصل لسبب وجيه وإنني أستحقه، مع أنني أشعر ببعض الإهانة». بالنسبة إلى كيم شانغ هوان الباحث في معهد تطوير التعليم الكوري «نحن في خضم مرحلة انتقالية معقدة وفوضوية»، ويشير إلى أن الأهمية التي تولى للعقاب في التربية تعود إلى الثقافة العسكرية التي طبعت البلد في ظل حكومات مدعومة من الجيش، من ستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، لكن ذلك سيتلاشى تدريجيا.