بصدور كتاب «القصص الشعبي» وهو يمثل تصور الجماعة الشعبية للتاريخ وأبطاله تكتمل دائرة إبداع الكاتب المصري خيري عبدالجواد الذي وقع في غواية الأدب الشعبي وقدم عدة روايات ومجموعات قصصية بأسلوب يتمثل في طريقة الحكي الشفاهي الذي بلغ قمته في «ألف ليلة وليلة».
وربما يعد هذا العمل «الموسوعي» أحد مصادر دارسة كتابات عبدالجواد الذي توفي في يناير 2008 بعد أن أمضى وقتا طويلا في جمع هذا العمل وتصنيفه ثم صدر عن «منشورات الجمل» ببغداد وبيروت في 1573 صفحة مع انعقاد معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي اختتم امس.
و«القصص الشعبي» مختارات عبدالجواد جاءت في ثلاثة مجلدات تحت عناوين «القصص الأنبيائي» وهو خاص بالأنبياء وصحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم و«القصص الصوفي» ويشمل جانبا من حياة الإمام الحسين بن علي حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحكاية ابنه زين العابدين مع الحجاج بن يوسف وقصص السيد أحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي ورابعة العدوية والحسين بن منصور الحلاج و«مغازي الإمام علي عليه السلام» ويشمل البطولات الخاصة بابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته وما يروى عن زهده ووصاياه.
وحكى عبدالجواد في مقدمة الجزء الأول أنه جمع هذه المختارات من مكتبات كانت منتشرة في منطقة القاهرة الفاطمية بالقرب من أضرحة بعض الأولياء حيث كانت تطبع هذه النصوص في «ملازم صغيرة» وهي كتيبات مزينة برسوم شعبية.
ولكن تلك المكتبات اختفت ومعها كثير من تلك النصوص، «كما أن أحدا لم يهتم بإعادة طباعتها، أيضا لم يهتم الباحثون بجمع هذه النصوص وترتيبها ودراستها باعتبارها ركيكة لا ترقى لمستوى الدرس».
وأضاف أن لهذا الإبداع العفوي سحر خاص، فهو فضلا عن جمالياته الفنية يلخص فلسفة الجماعة الشعبية في الحياة من خلال نصوص كانت شفوية لفترات تاريخية طويلة وساعد على انتشارها كثرة أعداد أضرحة الأولياء في المدن والقرى المصرية وما يرتبط بها من أعياد شعبية قبل أن توثق النصوص وتطبع وإن ظلت تتطور على ألسنة الرواة.
ولكن بعض المثقفين واجهوا هذا الإبداع بكثير من التجاهل والترفع.
ورجح أن كثيرا من هذه النصوص كتب في العصر الفاطمي في مصر وتركز على مآثر آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال أحفاده الذين لجأوا إليها من ملاحقة الأمويين.
ويتفاوت المستوى الفني من حكاية لأخرى ففي الجزء الثاني جاءت قصة رابعة العدوية في 13 صفحة عبارة عن أبيات من شعر العامية المصرية موجهة إلى جمهور من المستمعين إلى راو شعبي يبدأ حكايته قائلا «يا حاضرين اسمعوا مني كلام غالي على بنية شريفة وبمقام غالي».
ثم يستعرض الراوي بطلة القصة منذ ولادتها في مدينة البصرة العراقية مرورا بموت والدها وتعرض الأسرة التي تضم أمها وأخواتها الثلاث لضائقة مالية جعلتها «هامت على وجهها بدري قابلها راجل من الظالمين» إلى نهاية قصتها المعروفة والتي تنتهي بالشطر الثاني من البيت الأخير «ماتت وكانت من الصالحين».
وتعكس هذه القصص كيفية انتقام الجماعة الشعبية بالسخرية بنزع القداسة عن الموتى المغضوب عليهم كما في «قصة نور العين في مشهد الحسين».
وقال عبدالجواد في مقدمة عنوانها «منهج هذا الكتاب» في المجلدات الثلاثة «إن يكن لي فضل في هذا الكتاب فهو في محاولة تجميع هذه النصوص وترتيبها في سياقاتها وإعدادها للنشر وذلك لإحساسي بأهميتها كمادة غنية للكتاب والباحثين على السواء ولإحساسي بأن جـزءا مهمـا وعبقريا من تراث هذه الأمة يوشــك على الضـياع أملت أن أسهم في حفظه من عوادي الزمن».