مازال أسد بابل ماثلا للعيان، وهو الأثر الأصلي الوحيد المتبقي بحجارته التي مضى عليها آلاف السنين، شاهدا على حضارة سادت، ثم بادت.
لكن هذا الأثر سيتحول بعد سنين إلى شاهد تاريخي من دون ملامح، فعوامل التعرية والتلوث البيئي تزحف على بنيته، لتختفي تفاصيل وجهه وجسده مع مرور الزمن، بفعل التآكل وأعراض الإجهاد. ويتوقع النحات رباح العلي أن يتحول الأسد المنتصب في العراء منذ خمسة آلاف سنة إلى كومة من حجارة بلا تفاصيل بعد ربع قرن.
وأسد بابل، الذي نجا من محاولات السرقة مرات عدة، يقف عاجزا أمام عوامل الاندثار البيئية والمياه الجوفية التي تعانيها مدينة بابل بشكل كارثي.
ويؤكد خبير الآثار قيصر الجابري أن أسد بابل سيئول بمرور الزمن إلى صخرة تكسوها الأملاح، وتطفو تحتها المياه الجوفية، و«بفعل تلك العوامل فإننا نتوقع أن يتحول الكثير من المعالم البابلية إلى كومة من التراب خلال ربع قرن».
وحين عسكرت القوات الأميركية في الموقع الأثري بابل لم يفعل الأميركيون شيئا لإنقاذه من علله، واكتفوا بالتقاط الصور التذكارية أمام الأسد العظيم. وحتى مشروعهم، الذي وعدوا بتنفيذه ورصدوا له مبلغ مليون دولار تقريبا، لم ير النور لسببين، الأول صراع الإرادات السياسية في المحافظة وبغداد، والثاني المياه الجوفية، التي تقف عائقا أمام أي مشروع ترميم قبل أن يتم إيجاد طريقة لإبعاده عن المدينة.
وفي عهد النظام السابق، زار خبراء آثار الموقع، ووضعوا خطة خاصة للحفاظ على الأسد من السرقة وعوامل التعرية، وكان هناك مشروع لوضعه داخل بيت من الزجاج لتقليل تأثير العوامل البيئية على بنيته، لكن المشروع لم ير النور بسبب الحرب في العام 2003.
ولم تحصل عمليات ترميم علمية وشاملة لآثار بابل، وكل ما فعلته المشاريع هو إعادة بناء جدران وسقوف فوق الأساسات الأصلية، وفي زمن الرئيس العراقي السابق صدام حسين، أطلقت عملية إحياء آثار بابل، لكنها كانت عمليات تجميلة، شوهت وجه المدينة لأن الجدران الحديثة شيدت فوق الأساسات الأصلية، وصاحب ذلك أجندة سياسية ودعائية منها حفر اسم المقبور صدام حسين في الأساسات.