- الوسم فترة زمنية تمتد لـ 52 يوماً وتبدأ 16 أكتوبر من كل عام
- كثرة المطر في «الوسم» مؤشر على وفرة الكلأ والعشب في الربيع
- احذروا «برد الخريف» وأمراض البرد والإنفلونزا والزكام وأيضاً أمراض العيون
في يوم 16 أكتوبر من كل عام تدخل علينا الفترة المعروفة عند أغلب سكان وسط وشمال وشمال شرق شبه الجزيرة العربية التي يترقبها سكان هذه المنطقة طوال العام وهي فترة الوسم الشهيرة التي هي من الفترات التي ينتظرها هؤلاء السكان بشغف كبير لأنها من الفترات التي تعتبر بمقاييس صحرائنا العربية من الفترات المطيرة التي تبدأ فيها السماء بتلبد الغيوم وبإنزال المطر من هذه الغيوم على الصحراء بعد انقضاء فترة صيف جافة فاتحة باب فترة الوسم التي من الممكن أن تكون مطيرة.
وقد لاحظ عرب صحراء شبه الجزيرة العربية ملاحظة يأخذها الكثير منهم على محمل الجد وكأنها نظرية مسلم بها وأنها صحيحة، ولكن بنظرة علمية صحيحة الى هذه الملاحظة أو لنقل بصورة عامة نظرية لم تثبت صحتها وأن كأن بها شيئا من الصحة فهم لاحظوا أن هبوب الرياح واتجاهها في فترة دلوق أو طلوع «نجم سهيل» فإذا كانت الرياح التي تهب على المنطقة هي رياح جنوبية شرقية أو حسب ما تسمى محليا «رياح الكوس» وتكون هذه الرياح في نفس الوقت عالية في نسبة الرطوبة فإن فترة الوسم تكون فترة مطيرة.
أما إذا كانت الرياح التي تهب مع فترة طلوع أو دلوق نجم سهيل تكون رياح شمالية غربية خالية الرطوبة فإن فترة الوسم سوف تكون خالية من الامطار وهي التي تعرف عندهم بـ «سنة محل» أي أنها سنة قليلة المطر لا تتسبب بظهور العشب أو الكلأ في الصحراء الذي تستفيد منه الحيوانات التي تقتات على هذا العشب.
ولكن يتردد وخصوصا بين الشباب صغار السن سؤال وهو: ما هي فترة الوسم هذه المثيرة للاهتمام عند سكان الجزيرة العربية؟ ولذلك نود أن نوضح هنا لهؤلاء الشباب أن فترة الوسم هي فترة زمنية محددة مدتها 52 يوما تبدأ من يوم 16/10 وتنتهي 6/12 من كل عام وهي فترة معروفة فقط في شبه الجزيرة العربية بالتحديد في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية منها بينما لا تعرف هذه الفترة في المناطق الأخرى سواء في شبه الجزيرة العربية أو بقية العالم وهذه الفترة ليست فترة يظهر فيها نجم يسمى «نجم الوسم»، فالوسم ليس نجما ولا يعرف في الفلك نجم بهذا الاسم بمعنى اصح ليس هناك نجم يعرف بهذا الاسم ولكن تبدأ هذه الفترة يوم 16/10 وهو بداية نوء «العواء» الذي مدته 13 يوما كبقية الأنواء الثمانية والعشرين التي تسمى «منازل القمر» وتعرف بها حالة المناخ في شبه الجزيرة العربية بصورة أكثر.
وفترة الوسم هي من الفترات التي يمكن أن يعتبرها بعض الناس من المواسم الباردة ولكنها في الواقع هي من الفترات المعتدلة ففيها تتكاثر السحب في المنطقة ويبدأ المطر بالسقوط ففي أول أيام فترة الوسم يكون المطر نادرا أو قليلا جدا، حيث يتبخر المطر بعد تكثفه مباشرة ويتحول إلى بخار مرة أخرى وقبل أن يصل إلى الأرض نتيجة لارتفاع درجة حرارة سطح الأرض.
ولكن بعد عدة أيام من دخول الوسم ومع انخفاض درجة الحرارة فإن المطر يتساقط رذاذا خفيفا ومع الانخفاض الأكثر في درجات الحرارة وتزداد كميته ويستبشر به الناس جميعا حيث إن كثرة سقوطه في هذا الموسم بالذات لها دلالة قوية على أن موسم الربيع التالي سوف يكون به من العشب والكلأ الوفير مما يجعل الأغنام والبهائم تشبع قبل انتصاف النهار.
ومما يدلل على وفرة العشب في الصحراء عندما يقول (أهل الحلال) أي أصحاب الغنم والجمال: «تشبع الغنم من ضحى» وأيضا يقولون إن هذه الأرض «موسومة» أي أن العشب الذي في هذه الأرض جاء نتيجة لسقوط الأمطار في فترة الوسم، وهو الأمر الذي يعني توفر «الفقع أو الكمأة» في بعض الأماكن المحددة في الصحراء والتي يعرفها الكثير من البدو في صحراء شبه الجزيرة العربية.
زد على ذلك أن هذه الأعشاب التي تنبت نتيجة هذه الأمطار تزيد من تماسك التربة وتقلل من انجرافها كذلك تخفف من كمية الأتربة والغبار العالق بالجو مما يجعل الجو جيدا يصلح لنصب الخيام والخروج إلى البر، أما إذا كان الأمر عكس ذلك ونعني هنا قلة سقوط الأمطار أو انعدامها في فترة الموسم وهو أمر مع الأسف الشديد كثير الحدوث في هذه المنطقة الصحراوية فإن ذلك يعني قلة العشب وانعدام المراعي الطبيعية مما يسبب خسارة مادية كبيرة لأصحاب البهائم بالإضافة إلى أن التربة سوف تكون معرضة للانجراف وتطاير التربة من الارض تكون الغبار والعجاج إذا هبت رياح شديدة السرعة أو رياح قوية كضربة الأحيمر مثلا، حيث تتطاير الأتربة والغبار الذي تمسكه في العادة الأعشاب والنباتات ولذلك ترى أن السنوات التي يقل فيها المطر أو ينعدم في أي منطقة من شمال شبه الجزيرة العربية فتزداد فيها الغبار والعواصف الترابية وتطاير الغبار.
ونتيجة لهذه التغيرات في درجات الحرارة بين الليل البارد والنهار المعتدل فإن هذه الفترة عادة ما تكون من الفترات التي تكثر فيها أمراض البرد مثل الأنفلونزا والزكام وكذلك السعال، بالإضافة إلى الإصابة في أمراض العيون، ويعرف برد هذه الفترة ببرد الخريف الذي يعرف عند عامة الناس بأنه البرد «المضر» الذي يتسبب بأمراض البرد المعروفة.
أما من الناحية الفلكية فمن المعروف عن غيوب النجم الأحيمر بأنه يعطي مؤشرا على نهاية فصل الخريف واقتراب فصل الشتاء البارد كما أن هذه الفترة تسمى بفترة «غيوب النجم الأحيمر» وهي فترة معروفة ومشهورة عند أهل البحر حيث يتحاشاها النواخذة وأصحاب السفن في الماضي، فغيوب هذا النجم واختفاؤه في هذه الفترة هما مؤشران ودليلان قويان عند أهل البحر باضطراب الجو وعدم استقراره وهياج البحر وارتفاع الموج فيه، حيث كانت السفن تتحاشى الخروج من الموانئ ودخول البحر وخصوصا المحيط الهندي، لأن السفن التي دخلت البحر خلال هذه الفترة واجهت الموت المحدق «إلا من رحم ربي».
وغالبا ما تكون «ضربة الأحيمر» في الفترة المسائية من النهار، حيث تهب «عاصفة أو ضربة الأحيمر» قبيل المغرب أو بعده بساعة، وتكون على دفعتين بينهما وقت زمني من ساعة إلى أربع ساعات، وضربة الأحيمر خطرة وقوية جدا، وهي عبارة عن رياح عاصفة شديدة السرعة يكون اتجاهها شماليا إلى شمالي غربي وتكون قوية جدا وعاتية مصحوبة بغبار وبسحابة سوداء في السماء وقد تكون سرعة الرياح في هذه الضربة 80 كيلو مترا في الساعة أو أزيد من ذلك، وهي حالة من حالات الأعاصير والرياح عاصفة جدا وتكون هذه العواصف أو «ضربة الأحيمر» مصاحبة لمطر وبرق ورعد وارتفاع في موج البحر وتكون الأمواج عالية جدا بحيث لا تتحملها السفن الخشبية، فيصل ارتفاع الأمواج من 25 الى 30 قدما في المحيط الهندي فتسبب غرق السفن، لذلك كان أصحاب السفن الشراعية قديما يتحاشون الخروج من الموانئ في تلك الفترة لشدة خطورتها، وتعتبر هذه الفترة من أخطر أنواع الفترات المناخية التي تمر على المنطقة، فقد كانت بعض من السفن البحرية الكويتية قديما قد غرقت في البحر بسبب دخولها البحر والمخاطرة بالسفر في فترة غيوب النجم الأحيمر.
فالفترة الزمنية التي يستغرقها اختفاء أو غيوب النجم الأحيمر هي أربعين يوما بالتمام والكمال، واختفاء هذا النجم سواء عند أهل البحر أو البادية يعد مؤشرا على بداية العواصف، وهي المرحلة الانتقالية إلى فصل الشتاء وربطت هذه الفترة المناخية التي هي الفترة الانتقالية من فصل الخريف إلى فصل الشتاء والتي تتزامن مع فترة غياب النجم الأحيمر والتي كان يعتقد في الماضي بتأثير النجوم على حالة المناخ.
والنجم الأحيمر هو نجم معروف من النجوم الدائمة والثابتة في السماء وبأنه لا يغيب إلا في هذه الفترة المحددة من السنة، فيغيب هذا النجم في يوم 11/11 من كل سنة ثم يظهر مرة أخرى في يوم 21/ 12.
ظهور هذا النجم يكون مع دخول فترة المربعانية وهو مؤشر على دخول فصل الشتاء، حيث يكون الليل في غاية الطول والنهار في غاية القصر، وهي مؤشرات تدل على بداية فصل الشتاء كما يمكن للذين يرغبون في مشاهدة النجم الأحيمر قبيل اختفائه يمكنهم مشاهدته في السماء خلال هذه الأيام بعد مغيب الشمس مباشرة، حيث يغيب في الساعة 9:35 مساء باستثناء فترة غيابه المذكورة سابقا، كما يمكن مشاهدة هذا النجم أيضا من جهة الغرب وقت غروب الشمس حيث ينخفض هذا النجم في كل ليلة حتى يختفي تماما في يوم 11/11 (نوفمبر) وتسمى فترة غياب هذا النجم «خفوق الأحيمر أو غيوب الأحيمر» ويستمر هذا الغياب كما ذكرنا مدة 40 يوما، حيث يظهر مجددا في يوم 21/ 12 (ديسمبر) من كل عام.
ويسمى نجم الأحيمر فلكيا بنجم قلب العقرب والمعروف باللغة الإنجليزية باسم «Antares»، وهو ألمع نجم في برج العقرب (Scorpios) وهو من ضمن ألمع 16 نجما في السماء، ويتميز هذا النجم بضخامة حجمه ولونه الأحمر، حيث إن قطره أكبر من قطر الشمس بحوالي 700 مرة تقريبا، ويبعد هذا النجم عن الكرة الأرضية بنحو 600 سنة ضوئية.
وتشتمل فترة الوسم على أربعة منازل من منازل القمر، وهي: منزلة العواء، السماك، الغفر، الزبانا التي هي أحدى كفتي برج الميزان من مجموعة نجوم برج العذراء.
الأنواء الموجودة في الوسم
أـ العواء: يبدأ يوم 16/ 10 وينتهي يوم 28/ 10 وهو أول الأنواء في فترة الوسم، ويلاحظ أن الجو في هذه الفترة غير معتدل وغير مستساغ والرياح تكون متقلبة الاتجاه الأمر الذي يجعل الإنسان متحيرا في اختيار نوعية الملابس، هل تكون من النوع الخفيف أم من النوع الثقيل، بالإضافة إلى كثرة الإصابة بالزكام.
أما الأمطار فإنها تكون نادرة السقوط في أول هذا النوء وان كانت لا تستبعد أن تسقط في أواخره. أما معدل درجات الحرارة، تكون في حدها الأعلى 34 درجة مئوية والحد الأدنى لها يكون 18 درجة مئوية.
فيقول ساجع العرب: «إذ اطلع العواء ضرب الخباء وطاب الهواء وكره العراء وشنن السقاء».
ب ـ السماك: يبدأ يوم 30/ 10 وينتهي في يوم 11/11، وهذا النوء تنخفض فيه درجات الحرارة ويبدأ المظهر الشتوي في الظهور، حيث تكثر في السماء الغيوم، لكنها غيوم غير ممطرة، وإذا أمطرت فإن مطرها لا يصل إلى الأرض، حيث إن هذا المطر يتبخر قبل سقوطه على الأرض بسبب درجة حرارة الجو المرتفعة.
هذا التحول في الجو، وتغيره من المناخ الصيفي الحار إلى المناخ الشتوي البارد يجعل درجة حرارة المياه منخفضة، حيث لا يمكن الاغتسال قبل أن يتم تسخين الماء بسبب برودته.
أما معدل درجات الحرارة فتكون في حدها الأعلى 30 درجة مئوية، أما حدها الأدنى فيكون في حدود 17 درجة مئوية.
فيقول ساجع العرب: «إذا طلع السماك ذهب العكاك وقل على الماء اللكاك».
ج ـ الغفر: يبدأ هذا النوء يوم 11/11 ويستمر لمدة 13 يوما حيث ينتهي يوم 23/ 11، وبداية هذا النوء تكون مع غيوب النجم الأحيمر، والذي يسمى بالفلك «قلب العقرب»، أما رأس العقرب فهو نجم الإكليل وذنبه النجم الشولة.
غيوب الأحيمر يستمر لمدة أربعين يوما، وهو من النجوم التي تكون موجودة في السماء طوال العام تقريبا ويمكن مشاهدته في هذه الأيام في الغرب بعد غروب الشمس، وكذلك يمكن مشاهدته في أيام الشتاء بعد ظهوره في الجنوب الشرقي في أوقات الفجر، وغيوب هذا النجم يعطي مؤشر تغير في حالة الجو واضطراب البحر وهيجانه في نهاية الخريف واقتراب الشتاء، ولذلك ترى أن درجات الحرارة تنخفض أكثر في كل أسبوع يمر. أما معدل درجات الحرارة فتكون في حدها الأعلى 26 درجة مئوية والحد الأدنى لها 14 درجة مئوية.
فيقول ساجع العرب: «إذا طلع الغفر أقشعر السفر وزال النضر وحسن في العين الجمر».
د ـ الزبانا: تبدأ الزبانا يوم 24/ 11 وتنتهي يوم 6/ 12 وهذا النوء هو آخر الأنواء في الوسم وبعده تدخل المربعانية، ولذلك ترى أن السماء تكون في أغلب الأوقات بها كثير من الغيوم التي تكون في العادة بها الأمطار نتيجة لهبوب الرياح الجنوبية (والتي تسمى في منطقة الخليج العربي هواء الكوس)، وهذا النوء هو أكثر أنواء الوسم سقوطا للأمطار كما أن الجو في الليل والصباح يكون شديد البرودة.
أما معدل درجات الحرارة فتكون في حدها الأعلى 22 درجة مئوية، أما الحد الأدنى لها 10 درجة مئوية.
فيقول ساجع العرب: «إذا دخلت الزبانا حدث لكل ذي عيال شانا ولكل ذي ماشية هوانا فأجمع للشتاء ولا تتوانى».
بعد هذه الفترة المعتدلة تأتي المربعانية، التي هي فصل الشتاء البارد.