منذ ان تم اكتشاف النفط في الكويت وتحديدا في الثاني والعشرين من فبراير عام 1938 في حقل برقان وتدشين اول شحنة للنفط في 30 يونيو 1946 وارتكز بذلك اقتصاد الدولة على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي.
وعلى الرغم من وجود الصناعات البترولية التي تقوم على انتاجها شركات البترول الكويتية إلا ان ذلك لا ينفي أهمية تنويع مصادر الدخل مع ضرورة مشاركة القطاع الخاص لدفع عجلة الاقتصاد للدولة وذلك من خلال تنويع الأنشطة الاقتصادية التي يشهدها السوق الكويتي والتي قد يكون أهمها هو التوجه نحو الصناعة بمختلف اوجهها وفي كل مجالاتها وجوانبها.
ان عملية التبادل التجاري للدولة لا بد الا تكون مرتكزة على البترول او على الاستيراد دون الوقوف لدى التصدير، فالسؤال الذي يطرح نفسه باستمرار ماذا يمتلك السوق الكويتي من منتجات صناعية محلية حتى نغزو الأسواق العالمية بها وتدر بربحية وعائدا كبيرا على الدولة .
ان عدد المنتجات المحلية محدود للغاية حتى انها غير قادرة على تحقيق الأمن الغذائي للسوق الكويتي، فالمنتجات برمتها مستوردة وتحكمها الأسعار العالمية ومتى ما بدانا نشكو من ارتفاع الأسعار لا نستطيع ان نلقي باللوم على وزارة التجارة والصناعة نظرا لعدم مراقبة ارتفاع الأسعار.
فالحكومة تستطيع التحكم في أسعار منتجاتها المحلية التي تصنعها كمنتجات شركة المطاحن وغيرها من الشركات التابعة لها وقد تضع سقفا أعلى لأسعار المنتجات الصناعية الكويتية كالتي نجدها في مجال الحليب والالبان ولكن بقية السلع التي يعتمد عليها المواطنون سواء كانت هذه السلع غذائية ام ملبوسات ومفروشات أو ادوية او سيارات او هواتف .. الخ من المنتجات فجميعها برمتها تحكمها أسعار الأسواق العالمية وهي ليست تحت سيطرة الدولة.
في السنوات الماضية لم يكن الحديث عن أهمية التوجه للصناعة واغراق السوق بمنتجات محلية امرا في غاية الأهمية نظرا لانتعاش أسواق النفط العالمية وارتفاع سعر برميل النفط الكويتي والفوائض المالية التي حققتها الدولة نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط .
ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تجتاح العالم اليوم وفي ظل انخفاض أسعار البترول العالمية هذا فضلا عن تطور التكنولوجيا التي تجعل النفط مستقبلا ليس مصدرا لتوليد الطاقة في الدول الغربية المنتجة للتكنولوجيا والصناعات المتطورة نظرا لآخر الأبحاث العلمية التي تم اكتشافها مؤخرا.
إذن الحل الأمثل الذي يجعلنا ننوع من مصادر الدخل هو التوجه نحو الصناعة مع ضبط الأسعار بدعمها داخل الدولة بحيث تباع في السوق المحلي بسعر ارخص من السعر المتداول في الأسواق العالمية بعد التصدير.
وهنا فإن الكرة في مرمى الحكومة والقطاع الخاص على السواء بحيث تكون هناك مصانع حكومية ومصانع للقطاع الخاص ليكون هناك مدخول آخر للدولة سوى النفط.
إن الاعتماد على مصدر النفط كمصدر دخل وحيد للدولة قد نرجع سببه في العقود الماضية الى قلة التعليم وعدم الثقافة والمعرفة والاطلاع ، ولكن بعد التطور العلمي الذي نشهده ودعم وتشجيع الطاقات الشابة في مختلف فروع المعرفة يجعل أبناء اليوم على وعي ودراية اكثر من الماضي بكيفية تنويع مصادر دخل الدولة للاستفادة العامة .
فلدينا عدد كبير من خريجي الهندسة الصناعية وهذا تخصص من الضروري ان يتم الاستفادة من المخزون العلمي لخريجيه ومحاولة الاخذ بالتوصيات العلمية وآخر ما توصل إليه العلم في مجالهم للتمكن من تحقيق الجدوى من الصناعة بحيث يتم اعداد الدراسات والأبحاث عن اكثر احتياجات السوق من الصناعة مقارنة بأسواق العالم، وعن كيفية إدارة هذه المصانع ورسم استراتيجيات العمل لديها وغيرها من الأمور التي يشتمل عليها هذا التخصص للتمكن من الاستفادة من خرجي الهندسة الصناعية وتوظيفهم في مجالهم بحيث يكون لتخصصهم العلمي جدوى وفائدة وطلب في سوق العمل سواء في القطاعين الحكومي والخاص او النفطي.
إن التوجه إلى انشاء مصانع في شتى المجالات سواء في مجال التكنولوجيا او الأغذية والأدوية والملابس والمفروشات والسيارات وغيرها سيخلق فرص عمل جديدة على سوق العمل الكويتي ، وستكون مصدر دخل جديد للدولة، فاليوم الكويت توقع اتفاقيات تجارية مع العديد من دول العالم الا ان المستفيد هو الدول الأخرى وليست الدولة، فأسواقنا مفتوحة للبضائع المستوردة حتى ان الدول الغربية المتقدمة لا تفتح أسواقها بهذا الشكل وتعطي الأولوية لمنتجاتها، فنحن لدينا سياسة الانفتاح على الأسواق العالمية وهذا جيد ولكن في المقابل لا بد ان تفتح الأسواق العالمية أبوابها لمنتجاتنا المحلية في المقابل لتستفيد الدولة.
فما الذي يمنع ان تكون لدينا حلويات صناعة كويتية ومأكولات ودواجن وملابس و كماليات وغيرها من الصناعات ليتم تصديرها للدول التي تم ابرام اتفاقيات اقتصادية معهم وبذلك سينتعش السوق المحلي بشكل كبير .
نحن بحاجة ماسة الى نهضة على الصعيد الصناعي فلن يكون لنا دور في التبادل التجاري بين الدول وتأثير قوي لمواقفنا الدولية دون ان تكون لنا صناعاتنا المحلية بحيث ستزداد قوة وتأثير الدولة على الصعيد السياسي متى ما كان اقتصادها متينا ، فالدول الرأسمالية اليوم التي توجه القرارات دوليا ولها ثقل سياسي عالمي كبير لم يأت هذا الدور الفاعل من فراغ بل من قوة اقتصاد تلك الدول ومتانة وضعها المالي وصناعاتهم التكنولوجية والغذائية وغيرها في شتى المجالات اعطى لهذه الدول تأثيرا في القرار السياسي والاقتصادي العالمي .
وبذلك نشدد دائما على ان الحكومة لن تعمل منفردة بل من الضروري ان يشاطرها القطاع الخاص المشاركة في دفع عجلة التنمية لأن الاستفادة ستكون على الدولة برمتها وسمعتها الدولية ومكانتها التي سيتفيد منها الجميع دون استثناء.
اليوم ونحن في عام 2016 في القرن الواحد والعشرين نطالب بنهضة صناعية وقبل مائتي عام ظهرت الثورة الصناعية في إنجلترا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبدأت تحديدا في بريطانيا التي ظهرت بها النهضة الصناعية والتي تلتها الثورة الزراعية التي حققت فوائد عديدة لسكان الأرياف آنذاك وساهمت في رفع المستوى المعيشي للأفراد وهذا ما جعلها بريطانيا العظمى على مر السنين التي تلتها فيما بعد، بقية الدول الاوروبية واميركا واليابان والذي استفاد العالم بأكمله من بدايتها في بريطانيا الى ان امتدت لتعم الفائدة على الجميع.
فلو لم تكن تلك الدول حدثت بها ثورة صناعية وتقدم في الصناعات لما تحكمت في القرارات الدولية التي نشهدها حاليا، نحن متأخرون نعم وهذا واضح فالمطالبة اليوم بنهضة صناعية أتت بعد مائتي عام من نهضتهم ونحن ما زلنا متخلفون على الصعيد الصناعي .
فصناعاتنا محدودة جدا وقطاعنا الخاص يرتكز في عمله بالمرتبة الأولى على الوكالات ومتى ما تم المضي قدما في اتفاقية الـgat وانفتاح الأسواق بحيث من الممكن ان يتم الغاء الوكيل التجاري، في هذه الحالة ما الذي سيحل بأسواقنا المحلية؟
إن اول الضحايا في هذه الحالة هم المستهلكون للبضائع التي تم الاعتياد على استهلاكها لدى المجتمع الكويتي لانه بانفتاح الأسواق العالمية ستخرج سيطرة الدولة على التحكم في أسعار السلع الموجودة نظرا لأنها محكومة عالميا بأسعار صناع هذه المنتجات الذين يملكون كل الحقوق في عرض مبيعاتهم بالسعر الذي يرغبون فيه ويحقق لهم الربحية التي تناسبهم .
لا احد يفرض على مصنع من المصانع العالمية سواء للسيارات او التكنولوجيا او الهواتف او الأغذية وغيرها ان يحدد لهم قائمة أسعار تناسب الدول فالتضخم محكوم بمقاييس دولية واعتبارات سياسية وغيرها من الأمور والدوافع الأخرى التي لا بد كمجتمع كويتي ان نحمي بعضنا البعض منها .
قد يرجع البعض سبب قلة الصناعات المحلية إلى عدم وجود مناخ ملائم للصناعة في الكويت وهذا تعليل مغاير للواقع حيث ان كل السبل والقوانين كفلتها الدولة لتشجيع أصحاب رؤوس الأموال من استثمار أموالهم في الصناعة .
حيث اشتمل قانون دولة الكويت رقم 56 لسنة 1996 في شأن اصدار قانون الصناعة على العديد من المواد التي تشتمل على مميزات وتسهيلات من قبل الدولة كدعم لأصحاب المصانع والتشجيع على تعزيز المنتج المحلي ومنها على سبيل المثال لا الحصر المادة رقم 14 التي تنص على: « يجوز لوزير التجارة والصناعة بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة ان يصدر قرارا بما يلي :
1- اعفاء المنشآت الصناعية كليا او جزئيا من الرسوم الجمركية على الواردات التالية:
أ- الآلات والمعدات وقطع الغيار التي تحتاجها .
ب – المواد الأولية أو السلع الوسيطة أو البضائع نصف المصنعة التي تلزم لأغراضها الإنتاجية.
2- إعفاء المنشآت الصناعية كليا او جزئيا من الرسوم المقررة أو بعضها فترة أو لفترات محدود.
3- إعفاء صادرات المنشآت الصناعية من رسوم التصدير وتبين قواعد وشروط وإجراءات وحالات ومدد الإعفاء بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض وزيري المالية والتجارة».
أيضا المادة رقم 15 منحت المميزات التالية بحيث نصت المادة على: « تعمل الجهات المختصة على توفير التسهيلات التمويلية والائتمانية اللازمة للنشاط الصناعي عن طريق المؤسسات والهيئات والبنوك والشركات المتخصصة بشروط خاصة او ميسرة وفقا للخطة العامة التي تضعها الدولة».
من جانب آخر، فقد اشتملت المادة رقم 17 على العديد من المميزات الأخرى المقدمة من قبل الدولة بحيث تنص المادة على: « تعطى الأولوية في مشتريات الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة لمنتجات الصناعة المحلية على أن تكون مطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة بالسعر السائد في الظروف الاقتصادية العادية».
لم يقتصر الدعم الذي حدده القانون على السوق المحلي وحسب وإنما اشتملت المادة رقم 20 على دعم العمليات التسويقية للمنتجات المحلية على الصعيد الدولي بحيث جاء في نص القانون للمادة رقم 20 « يختص مجلس إدارة الهيئة العامة للصناعة بوضع أسس وقواعد الدعم اللازم للصادرات الكويتية بما في ذلك المساعدة في العمليات التسويقية الخارجية اللازمة لتنمية هذه الصادرات وله في سبيل ذلك ان يقترح إنشاء صندوق لدعم الصادرات ويصدر بإنشاء هذا الصندوق ونظام العمل به قرار من مجلس الوزراء بناء على عرض وزير التجارة والصناعة».
بذلك فإن كل ما نحتاجه في هذه المرحلة هو الثقة الكاملة بقدراتنا وامكانياتنا المحلية وتشجيع اصحاب الأفكار الصناعية من خلال تبادل الأفكار وبث الثقة في المنتج المحلي حتى يتم تشجيعه من قبل المستهلكين بالإقبال عليه من خلال تحفيز المواطن والمقيم بالأسعار التنافسية التي ستوفر عليه في المصروفات لدى اقبالة على المنتج المحلي .
نتميز كشعب كويتي بكثير من الذوق فكلنا مطلع ونعرف التمييز والمفاضلة بين الجيد والأجود والأفضل، وبذلك نحن قادرون على أن نحقق العالمية بمنتجاتنا المحلية ولكن بقليل من التركيز والصبر والاعتماد على وسائل التسويق الحديثة والدعاية والإعلان عنها ليتم الاقبال عليها محليا ودوليا .
|
|