دائما كنا نردد في المدرسة أن الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان، واشتهرت العديد من القصائد التي تتحدث عن الذكريات، وقد يكون ابرزها قصيدة الذكريات للشاعر احمد رامي التي كان ابرز ما قيل فيها الأبيات التالية مع اختلاف ترتيبها في القصيدة الأصلية إلا انني سأقتطع منها بعض الأبيات، وسأعيد ترتيبها كالتالي، فأجمل ما قال:
ذكريات عبرت أفق خيالي ـ ذكريات داعبت فكري وظني ـ كيف انساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي ـ لست ادري ايها اقرب مني.
وكما شاهدنا الأبيات السالفة كيف وصف الشاعر الذكريات بأجمل الأوصاف وأثرها عليه وحيرته في مدى أهميتها وأشدها قربا إليه بوصف أكثر من رائع إن دل على شيء فانما يدل على أثر الذكريات في حياة المرء منا، وتأثيرها إما بالسلب أو بالإيجاب عليه.
وقد نجد أن بعض الأشخاص لديهم هواية مميزة وهي تدوين مذكراتهم اليومية فيكتبون يومياتهم ثم يعاودون قراءتها، ولكن ماذا لو توقفنا عند المذكرات الشخصية وأثرها الإيجابي على الفرد والمجتمع؟
فالمذكرات الشخصية هي في أساسها تحكي يوميات من الواقع لأشخاص ولو تمت دراستها لوجدنا الكثير منها يتفق مع البقية والقليل منها الذي يختلف، بالنسبة إلي أجد أن دراسة المذكرات الشخصية للأفراد تساهم كثيرا ليس فقط في تحديد ملامح المجتمعات ودراسة السمات المشتركة فيما بينها بل الوقوف على نقاط الضعف التي أسهمت كثيرا في تأخر بعض المجتمعات عن ركب الحضارة والمعرفة.
إن المذكرات الشخصية لابد ان تكون احدى المواد الرئيسية التي لابد ان تدرس في حقل علم الاجتماع لأنها ستساهم كثيرا في تحديد ملامح الأفراد في المجتمعات والتمكن من اكتشاف الخلل الذي ادى بمجتمعاتنا الى عدم التمكن من الارتقاء والتقدم.
فهناك أشخاص غالبا متى ما فتحوا مذكراتهم الشخصية ولو حتى من باب الدردشة ستجدهم يقفون عند النقطة التي ابتدأوا منها لا يوجد أي تغيير لديهم سواء كان هذا التغيير شكليا أو ذهنيا أو علميا يقفون عند نقطة البداية وهناك أشخاص غالبا ما تنتهي حياتهم كما ابتدأت مع القليل من الإضافات كالسير في قضاء الله وقدره، كأن يكون كل ما أنجزه هذا الفرد هو الزواج والعمل فقط.
لذا أجد أن من الضروري على الباحثين أن يعاودوا دراسة يوميات الأفراد سواء في المجتمعات العربية أو الغربية وإجراء المقارنات لاكتشاف نمط السلوك في كل مجتمع على حدة.
وهنا بالتأكيد ستتدخل عوامل متعددة فيها مثل مناخ الجو والحالة الاقتصادية والحالة الاجتماعية وديانة الأفراد وكل هذه العوامل سالفة الذكر ستجعلنا نرسم ملامح للمذكرات الشخصية للأفراد وتأثير العوامل الخارجية عليها ووضع خطط مدروسة لكيفية التكيف والمواءمة مع الظروف المحيطة ومحاولة تخطي العقبات التي قد تعترض الفرد في حياته من خلال استعراض المذكرات الشخصية لأشخاص في بيئات ومجتمعات متعددة كيف تمكنوا من تخطي العقبات التي اعترضتهم وتمكنوا من تغيير حياتهم الى الأفضل سواء كانت تغييرات شكلية أو علمية أو اجتماعية او فكرية المهم أنهم تمكنوا من التكيف مع الظروف المحيطة بهم وتعايشوا معها بما لم يؤثر سلبا على سلوكياتهم فكيف للفقير أن يتحدى فقره؟ وكيف للغني أن يتكيف مع غناه؟ وكيف لغير المتعلم ان يقبل على التعليم؟ كلها من خلال استعراض المذكرات الشخصية للأفراد، ودراستها، ودراسة الخطط التي وضعوها لتحقيق نجاحات في حياتهم.
اليوم علم الاجتماع علم لابد ان تدخل عليه فروع مختلفة من المعرفة بإضافة سمات جديدة لعلم الاجتماع حتى يحقق العلم الأهداف المرجوة لدراسته والتخصص فيه لمعالجة المجتمعات.