نفرح كثيرا بالمبادرات النيابية التي ترمي الى حفظ حق الحكومة والسعي جاهدين إلى تطوير أدائها، إلا أن الحماس في بعض الأحيان قد يدفع ببعض المشرعين إلى تغليظ العقوبات الإدارية بما لا يتناسب مع الجرم المقترف.
ولنا في أحد الاقتراحات النيابية التي قدمت مؤخرا بشأن تغليظ العقوبات على الإهمال الوظيفي بحيث شملت الإضافة للمادة 35 مكررا الى القانون 31/1970 أن يتم سجن كل من امتنع عن تنفيذ واجب من واجباته الوظيفية أو تعمد الإهمال في تنفيذها بحيث اشتملت المادة على سجن المهمل الوظيفي بمدة لا تتجاوز الثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ونقف عند هذه المادة المقترحة تحديدا لنستطرد قليلا في تداعيات أو الحالات التي يتم إيداع المتهم بالسجن، فليس أي إهمال أو تقصير يتم عقوبته السجن مؤكدا ولو كان ذلك لامتلأت سجون العالم بالمساجين ولطفحت المجتمعات كافة بأرباب السوابق.
فالسجن عقوبة لا يتم إيداع أي شخص بها إلا متى ما كان قد اقترف جريمة سواء كانت جريمة مادية كالسرقة أو الرشوة أو غسيل الأموال وما شابه، من جانب آخر كأن يكون اقترف ضررا جسديا بشخص آخر نتيجة الضرب أو الإهمال في قيادة السيارة ما تسبب في موت شخص معين أو تسبب له في عاهة مستديمة أو إهمال الوالدين في رعاية الأبناء التي تسببت لهم في الوفاة وغيرها من مقتضيات الإهمال.
كذلك غالبا ما يودع في السجن تجار الخمور والمخدرات والقتلة والمعتدون على النفس والمال أي بمعنى أصح المجرمين، كذلك يودع في السجن من يثير الفتن والقلائل في المجتمعات الآمنة ويتسبب في فوضى أمنية قد تسبب كوراث أمنية وسياسية، بالإضافة إلى الذين يتطاولون على الذات الإلهية والرسل والأنبياء وإثارة النزعات الطائفية التي تعمل على شق المجتمعات، وكذلك التطاول والإساءة إلى الذات الأميرية والخروج عن طاعة أولي الأمر.
إن كل الجرائم السالفة الذكر وغيرها من الجرائم غالبا ما يتم إيداع مرتكبي مثل هذه الجرائم في السجن، ولكن الإهمال الوظيفي الناتج عن المزاجية والكسل في العمل هذه بالتأكيد ليست جريمة ترقى لمستوى السجن ولكن لها عقوبات أخرى تدور حول محور الإدارة.
فعلى سبيل المثال نجد موظفا مهملا ولكنه لم يسرق ولم يرتش ولم يسرب مستندات الدولة الرسمية ولم يعتد على أي موظف بما يلحق به الضرر ولكن كل مشكلته هو أنه مهمل ومزاجي هذه بالتأكيد لا تتم معالجتها بالحبس بل بتغليظ العقوبات الإدارية.
فالعقوبة الإدارية أداة لا بد أن يتم تفعيلها بحيث تكون بداية العقوبات لمن يرفض القيام بالأعمال الموكلة إليه والتي من صميم اختصاصه الوظيفي والمتعلقة بعمل الدائرة الحكومية وليست طلبات لا علاقة لها بطبيعة عمل الدائرة الحكومية ولكن وفق مزاج المسؤول، ولكن الأعمال التي تقع ضمن اختصاص الموظف المهني تكون أولى العقوبات احتساب اليوم الذي رفض العمل فيه وانجاز مهامه الوظيفية يوم غياب، ويخصم هذا اليوم من الراتب، واذا ما تكررت مثل هذه الممارسات يحال لجهة التحقيق الإداري للنظر في تداعيات إهماله وان كان لا دوافع أو مبررات تذكر لديه يتم تجميده الى أن يتم اعادة تهذيب سلوكه الوظيفي ويكون موظفا منتجا.
وفي الحقيقة، ومن خلال ما أشهده فلم أصادف مثل هذه الممارسات فمعظم أبناء الشعب الكويتي يؤدون مهامهم ولم أشهد حالة يتم فيها رفض أداء مهمة عمل معينة، لذا فإن الإعلان عن مثل هذا القانون يسيء لشريحة كبيرة من الموظفين وتطبيقه بالتأكيد سيحرج الحكومة مع مواطنيها.