الفكر الضال، الفكر المنحرف، الفكر الذي يهدم مجتمعات برمتها ماهي تداعياته؟ وكيف لنا أن نقتلع جذورها قبل أن تتنامى وتتفاقم الى ان تصبح ظاهرة ضالة تهدد أمن مجتمعاتنا؟
غالبا ما يكون الجهل سببها، نعم الجهل الذي يؤدي بصاحبه الى الانحراف الفكري، فالمعرفة والعلم غالبا ما تنير العقل وتجعله مفعما بالأفكار التي تطور من حياة الفرد بما ينعكس بالإيجاب على استقرار المجتمعات.
ولنا في الجنوح الفكري أمثلة متعددة وجوانب متعددة ايضا، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الفهم الديني الخاطئ غالبا ما يتسبب في جنوح فكري للفرد فيدفعه للغلو والمغالاة في طرحة واعتقاده ونبذه للآخر بالتشبث بمعتقدات واهمة قد تكون أولى تداعيات عدم الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، فالبعض يعتقد أن الدين جملة من المحرمات وقشور شكلية متى ما تم التمسك بها ضمن مقعده في الجنة!
وقد يكون لزمن العولمة الذي نعيشه آثار سلبية كثيرة في جنوح الفكر الديني لدى البعض وهو ما أسفر عن التنظيمات الإرهابية البغيضة التي شهدناها على مدى العقود المتتالية والتي أساءت للدين قبل أن تخدمه، وقد تكون بعض المواقع التي تبث الفكر الديني المتطرف هي اولى تداعيات انحراف فكر البعض والميل بهم للتكفير والإرهاب وسياسة القتل والتي تكون أولى طرق علاجها هي اعادة السيطرة وغربلة مثل هذه المواقع حتى لا تؤول بالبعض الى نهج السلوك الإجرامي الآثم.
وهناك جانب آخر من جوانب الجنوح الفكري الذي نشهده وهو الذي لا يتسبب في الإرهاب بل يكون أول نتائجه هو الانحراف الأخلاقي وانتهاج سلوكيات ضالة لا تتماشى مع تعاليم ديننا الحنيف كأن تباح من خلاله المحرمات فيصبح الحرام حلالا والحلال حراما ويتم خلط الأوراق وهذا بالتأكيد سببه بعض الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية التي تبث محرمات تؤدي بأصحاب العقيدة الضعيفة الى ممارسة المحرمات وترغيب المسلمين فيها بما يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيفة.
جانب آخر من جوانب الجنوح الفكري وهي معاداة البعض لأوطانهم وحكوماتهم وانتهاج سلوكيات تتنافى مع مصالح الدولة العليا بما يسفر عنه تداعيات أمنية وسياسية خطيرة من خلال محاولة هدم أساسيات أركان بناء الدولة، فنجد البعض وهم في عمر الزهور ما زالوا مقبلين على الحياة ولم يشهدوا من مرارة الحياة شيئا نجدهم ينقمون على اوطانهم ومحبطين من كل الأجواء المحيطة بهم ولا توجد لديهم بارقة امل في المستقبل، وهذه تجعلنا نتساءل عن مسبباتها التي غالبا ما تكون نتيجة افرازات بعض العائلات التي ينتمون اليها بحيث يسمم البعض أفكار أبنائه فينقل فشله إليهم ويدفعهم بالتالي الى نبذ الجد والاجتهاد والعمل وبانها لن تحقق لهم فائدة وبأنه متى ما انتهج طريق الصواب فلن يصل الى شيء وهذه كارثة لا بد من التصدي لها من خلال اعادة برمجة فكر البعض فمن يكون فاشلا لا يعتقد أن الفشل بسبب أنه لا يوجد من يقدر عطاءه بل بسبب انه لم يصل الى الطريق الذي يقوده للنجاح، وثمار العمل هذه ليست بيد العباد بل بيد رب العباد الذي يبارك للبعض فيما يعملون.
اليوم ونحن نحيا زمن العولمة التي تسببت في انفتاح المجتمعات على بعضها ولم يعد بمقدور دولة محددة أن تحكم سيطرتها على بعض الوسائل الإعلامية فالعالم اليوم أصبح قرية واحدة وهذه سلبياتها أكثر من إيجابياتها بحيث إن مثل هذا الأمر يهدد الهويات الوطنية وهنا لا بد ان توضع سياسات استراتيجية لضمان عدم الانحراف الفكري سواء بالغلو الديني أو البعد عن تعاليم الدين الإسلامي أو الانسلاخ من الهوية الوطنية.