لايزال الحديث حول الحريات ومفهومها والنظريات التي تحكمها حديث أغلبية المتخصصين في ذلك الجانب، وهي تعد من اقدم وأجل الحقوق التي تطالب بها الشعوب حول العالم.
إلا أن هذا المفهوم يشتمل في طياته مفردات مطاطة وتفسر وتؤل على حسب الهوى في كثير من الأحيان، فهل تعني الحرية الانسلاخ عن القيم المتعارف عليها والديانة التي يعتنقها المرء؟ أم انها تعني التحرك ضمن الحدود التي صاغها علماء الاجتماع في هذا الصدد.
فأغلب شعوب العالم تدين بديانات سماوية أتى بها رسل الله إلى تلك الشعوب وقد كان خاتمتها هو الدين الإسلامي الذي صاغ العديد من الحريات التي كانت غير موجودة في الديانات السابقة سواء أكانت المسيحية او اليهودية، فأحل في الإسلام ما كان محرما في المسيحية او اليهودية وصاغ الإسلام أولى مفاهيم الحرية التي ارتكز عليها علماء الغرب في تحليلهم لمفهوم الحريات.
وقد تمت صياغة العديد من النظريات التي تضع حدودا ومفاهيم جوهرية للحريات بعد ظهور الإسلام من علماء الغرب مستقاه بجوهرها من الدين الإسلامي ومن وصايا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومن وصايا صحابته، وقد تكون أبرز عبارة كان يرددها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه هي «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا» إلا ان العلم الحديث بات يبرز النظريات المتعلقة بالحريات وينسب جوهرها إلى علماء وفلاسفة الغرب دون الرجوع إلى مصدرها الأم التي تم اقتباس النظرية منها وذلك قد يكون لتهاون علماء المسلمين من صياغة وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم بالصورة الصحيحة.
وسأتناول احد أبرز النظريات التي تناولها علماء الغرب بها وكرمها علماؤنا ألا وهي نظرية العقد الاجتماعي التي صاغها العالم هوبز بحيث ذكر في نظريته أن الأفراد في الحالة الطبيعية الأولى كانوا أحرارا وبعدها اتفقوا فيما بينهم على ان يتنازل كل فرد منهم عن حريته المطلقة لكي ينشئوا الدولة والسلطة العامة فقيدوا هذه الحرية.
وأجد أن هذه النظرية صحيحة اللفظ خاطئة المضمون وذلك لتداعيات متعددة ابرزها ان منذ خلق الله أبانا آدم ووضعه على الأرض كان ابونا آدم أول الأنبياء لذلك فقد كانت الخليقة منذ البداية محكومة بأمر الله ولم يترك بني آدم أحرارا منذ بداية الخليقة للحرية المطلقة التي أشار إليها هوبز ولنا في آلية الزواج والتناسل في تزويج أخت التوأم للأخ غيرالتوأم، ولو كان مفهوم الحرية مطلقا للبشر دون التدخل الإلهي لكانت التوائم تزاوجت، وهذا كان الدافع في اول جريمة قتل على وجه الأرض.
الأمر الآخر مفهوم القوي يغلب الضعيف هذه نظرية كانت سائدة منذ الخليقة الأولى ونشأة أقدم الممالك كمملكة سبأ ودولة فرعون وغيرها من الممالك التي نشأت لم تنشأ بنظام ديموقراطي أو حرية مطلقة بل كانت بداية نشأتها بأن القوي يفرض سيطرته على الضعيف ولو كانت على غرار ذلك لفسدت الأرض ولكان كل من يتعدى على حقوق الآخر وينتهك خصوصيات الآخر ولا حرمة ولا أبواب للمنازل ولا نقاء للسلالات ولا حفظ للبنوة.
لذلك فقد اتت الديانات السماوية الواحدة تلو الأخرى لا تخلو في طياتها من آليات العقد الاجتماعي وآلية تعامل بني البشر مع بعضهم البعض، بحيث تم وضع آليات تعامل الآخرين مع بعضهم البعض ضمن قيود محددة نزلت بها آيات سماوية عديدة كأن تم تحريم دخول المنازل دون استئذان مسبق وتأدية الزكاة على الأموال حتى لا تكون فجوة في الوضع الاقتصادي بين الأفراد هذا بالإضافة الى حرمة المسكرات حتى لا يفقد المرء عقله ويعتدي على الآخرين وغيرها من الأمور التي كان هدفها حفظ المجتمعات من أي انتهاكات أواعتداءات.