تطور التعليم لا يكون وليد اللحظة، بل هو بحاجة ماسة إلى دراسات ومتخصصين وباحثين بشكل دوري للاطلاع على أحدث ما توصلت اليه التجارب التربوية في هذا الجانب، حيث ان مشكلة ضعف مخرجات التعليم لا نعاني منه وحدنا بل هي قضية عالمية غالبا ما تناقش تداعياتها في اروقة اليونسكو.
فالتعليم اليوم لم يعد يقتصر على أن تتعلم الشعوب القراءة والكتابة واللغات في مراحل الدراسة الأولية ثم يتم التخصص في حقل علمي او أدبي في المرحلة الجامعية، بل العلم اليوم بحاجة إلى اكتشاف العقول المبتكرة والمفكرة للإضافة إلى ما توصل إليه العلماء في شتى علوم المعرفة لنهضة الشعوب في شتى المجالات.
ان أولى ركائز التعليم لابد ان تكون قائمة على غرس مفهوم عمارة الأرض وإنقاذ البشرية من الهلاك ومعالجة الأمراض وإضفاء البهجة والسلام في شتى بقاع العالم، وهذه الركيزة تكون أساسها في المنهج التربوي الذي يعتمد من مرحلة رياض الأطفال، بحيث يتم غرس مفاهيم جديدة في عقول الأطفال لتسير هذه العقول نحو توجيه التفكير إلى الاستنباط والتفكير بـ«اللا مألوف».
وبذلك نكون بصدد الحاجة إلى إعادة رسم المناهج التربوية لتعتمد على منهج التجربة والبرهان، وهذا المنهج هو البداية الحقيقية لتغيير نمط التعليم لدينا، فليس من الضروري ان تكون مناهجنا التربوية مستنسخة من تجارب الشعوب الأخرى، فلا ضير ان تكون بصمات علماء التربية الكويتيين بارزة في هذا الجانب لتستفيد منها بقية شعوب العالم.
فتكون البداية على سبيل المثال تعويد الاطفال في التعليم على اكتشاف العالم من خلال الملاحظة، فليس من الضروري أن نقول له مباشرة على سبيل المثال هناك بقرة نحصل منها على الحليب، بل تغيير السؤال بحيث يأتي المعلم بحليب ويسأل الأطفال عدة اسئلة ومنها: ما هذه العلبة التي أحملها بيدي؟ هل شرب أحدكم منها؟ ومن أين أتى هذا الحليب؟ ما مصدره؟ ثم يعرض صورا للأبقار وصورا أخرى للآلات التي تحلب الأبقار وبعدها يوجه اسئلة اخرى ومنها: كيف وضع الحليب في عبوات؟ ويعرض صور لمصانع الحليب، ثم بعدها يسأل الطلبة: كيف وصل الحليب للكويت؟ فيتعرف الطالب على المنتج المحلي والأجنبي، بعدها يطرح سؤالا عن الأجبان كيف صنعت؟ وكيف اصبح هناك منها انواع مختلفة ومذاقات مختلفة؟ وهذا كله يكون وفق منهج تربوي ومادة مخصصة نسميها «مقرر الصناعة»، بحيث يطرح هذا المقرر من المرحلة الابتدائية وحتى الصف الثاني عشر لجميع المراحل التدريسية الأدبية والعلمية لأن منها ستكون البارقة الأولى في تغيير النمط التفكيري للطلاب.
إن مبدأ التلقين والحفظ مبدأ أثبت فشله الذريع في كل بقاع العالم وذلك لأنه يعتمد على الحفظ ومن منا يتذكر ما حفظ في شتى مراحل حياته التعليمية فحتى الفائقين والأوائل لا يتذكرون وهذه طبيعة العقل البشري الذي ينسى ما حفظ ويتذكر ما قام به عن تجربة وفهم.
فدائما التجارب تصقل السلوك البشري لذا فتغيير نمط تفكير الطلبة هو المنهج الذي لابد ان تعتمد عليه وزارة التربية بحيث لا يكون تفكير الطالب محصورا فيما شاهده بعينيه بل إلى ما قام بتجربته بنفسه.
فعلى سبيل المثال لابد ان يفهم الطالب أن أغلب الثروات التي حققها أثرياء العالم أتت من السلع الاستهلاكية والكمالية والتكنولوجية بالدرجة الأولى فعلى سبيل المثال مصانع الشوكولاتة حققت أرباحا لأن مالكها غالبا ما يكون هو مخترع خلطة الشوكولاتة مع الحليب والنكهات الأخرى لنحصل على مصانع تبيع الشوكولاته وتحقق أرباحا أي أن بدايته كانت بالتفكير والتجربة باللامألوف وكذلك مصانع الشامبو والعطور وكل ما هو يحيط بنا بدايته كانت تجارب العلماء في مختلف المجالات.