آفة هذا العصر، عصر العلم والتكنولوجيا وعصر كل شيء ممكن بكبسة زر، هي تكاثر الحمقى حولنا وتزايد أعدادهم على جميع الأصعدة الحياتية والسياسية، ولا أعرف هل هذا هو مرض أو داء انتشر كإنفلونزا الطيور وغيرها من الأمراض التي لم نعرفها من قبل. وحتى لا يتشتت ذهن قارئنا العزيز فنقدم له تعريفاً للحماقة بأنها تصرف بسيط أو رد فعل لأمر ما ينم عن تحجيم العقل ومصادرته، وهي كما قال أبو حاتم بن حيان الحافظ «علامة الحمق سرعة الجواب، وترك التثبت، والإفراط في الضحك، وكثرة النفاق، والوقيعة بين الأخيار، والاختلاط بالأشرار، والأحمق إن أعرضت عنه اغتم، وإن أقبلت عليه اغتر، وإن حلمت عنه جهل عليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، ويظلمك إن أنصفته».
والحماقة سلوك لا يخضع لجنس معين أو لون فنجد بعضهم يتصرف بين الحين والآخر بحماقة والبعض الآخر أحمق دائما، وبما أن قاعدة الحمقى التهور في الأمور والتمرد على القيم الهامة لأنهم يرون جانبا لا نراه نحن بطبيعة الحال، فنجد انتشار البرود والتجاهل في العلاقات الإنسانية والاجتماعية فالعلاقات في زمننا تبنى على المصلحة وقد تنقلب لعداوة بسرعة وأصبحت العلاقات العائلية قيدا يسعون بجد للفكاك والتنصل منه، بالإضافة للفراغ الفكري المتزايد فنراهم حولنا يتلهفون للحصول على أكبر عدد من اللايكات في صفحاتهم الإلكترونية وأصبح للواحد منهم عدد غير محدود من الذين لا يعرفهم ويفضل التواصل معهم على الجلوس مع أهله وأصدقائه الواقعيين، وبعضهم يفضل أصدقاءه الذين يسايرونه على عائلته وأقربائه، وأصبحت الصور والتعليقات لا تعبر عن حقيقة الشخص إنما لعبة خادعة في عالم افتراضي سرقت منهم أجمل اللحظات، كما أصبح توثيق الفترات المهمة في حياتهم ليس لتخليدها إنما لإرسالها عبر الأثير ولاستعراض ما يملكون وما يرتدون والمدارس التي يدرس بها أبناؤهم وأين يسافرون وماذا يشاهدون... وقد يقترضون ويحملون أنفسهم ديونا ليرضوا فقط حماقتهم المتزايدة. والمضحك المبكي أنهم يقومون بزيارة عيادات التجميل وإجراء العمليات الجراحية وغير ذلك حتى يتماشوا مع الآخرين بغض النظر عن الألم الذي سيعانونه أو القيمة النقدية العالية التي سيتكلفونها، ويا ويلك إن تكلمت أو أعربت عن أي ملاحظة حتى وإن كانت بسيطة فستغرق في بحر لجي لا نجاة منه. هذا عدا الفيديوهات والرسائل النصية التي لا تحمل سوى الإشاعات والهجوم على الآخرين و«ربعنا الحمقى هم سادتها» في هذا المجال، فهم العلماء والمتخصصون في كل علم و«عروقهم في الماء» كما نقول بالكويت، فعندهم الخبر اليقين وعليك الاستماع لهم بإنصات قدر المستطاع لأنك إن لم تكن معهم فأنت عدوهم وعليك السلام، فالمشاجرات هي أسهل وسيلة للتفاهم.
وكارثة الكوارث إذا تسلم أحدهم إدارة أمر فيه مصائر للعباد وهم لا يعرفون أصلا كيف يديرونها إلا بإثارة المشاكل وإفشاء الأسرار، والكلام بلا منفعة والصراخ، وعدم احترام الآخرين ونشر الفساد، لأن آراءهم هي المهمة وليست المصلحة العامة وهذا ما ابتلينا به بما يُعرف بأشباه السياسيين ومُدّعي السياسة.
إن تكاثر الحمقى حولنا في عصرنا الحالي وبروزهم الواضح ما هو إلا تدمير بطيء لصحتنا الجسدية والنفسية وتدمير لمجتمعنا ليصبح مجتمعاً سطحياً بلا ثقافة ولا انتماء عائلي أو وطني، لقد غيّروا للأسف صورة الشعب الكويتي الجميل.
وأصدق ما قيل في ذلك قول المتنبي:
لكل داء دواء يُستطاب به... إلا الحماقة أعيت من يداويها.
[email protected]