[email protected]
تربينا أن الصمت حكمة، وأن الله خلقنا بلسان واحد وأذنين لنسمع أكثر مما نتكلم، ولكن في أيامنا هذه اختلت القاعدة تماما فلقد ابتلي الناس بعادة سيئة ألا وهى حب القيل والقال والذي أعتبره وباء العصر الذي فشل العلماء في اكتشاف عقار مقاوم له والحد من انتشاره، فالتطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة استفحال هذا المرض فلقد أصبح من السهل جدا نشر الأخبار (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى العلمية) على مدى واسع بغض النظر عن مدى مصداقيتها، وأصبح الواتساب والسناب شات والتويتر فضاء واسعا لنشر الأكاذيب والشائعات وذكر الآخرين بالسوء وللهجوم الصاروخي الموجه لإسقاط الآخرين وضرب المعنويات والمساس بالأعراض ومناقشة جميع القضايا وتحليلها حتى الدينية والأمنية منها.
تتسبب الإشاعات في أغلب الأحيان في إثارة جو سلبي عند الناس لأن معظمها سيئ وخطير وبطبيعة الحال لا يهتم الكثيرون بتقصي مدى صحة الأخبار فقاعدة قيل وقال وسمعنا من فلان وغيره رائجة، وأغلب أفراد المجتمع يهملون وسائل الإعلام الرسمية والعالمية والتي تعتبر المراكز المهنية والرسمية المسؤولة ويتجهون لوسائل الإعلام الجديد (التواصل الاجتماعي) رغبة منهم في التعرف على المزيد من الأخبار، ما يوقعهم في دائرة الإشاعات والتزييف، والطامة الكبرى أن غالبية الناس يميلون لتصديق الإشاعات ما دامت تتوافق مع حاجاتهم ومشكلاتهم.
ارتبطت الإشاعات خلال العقود الماضية بالحرب النفسية والباردة، ولكنها أصبحت في عصرنا الحاضر ظاهرة مجتمعية ترتبط بهموم الناس وقضاياهم، لهذا أصبحت سلاحا قويا وتفنن مطلقو الشائعات في أساليب الهجوم، وانقسم مطلقو الشائعات إلى قسمين إما جهلة تأخذهم السفاهة والحماس لإطلاق الشائعات والتهجم على الآخرين، أو القسم الثاني وهو الأخطر فهم متمرسون يطلقون الشائعات بأسلوب التبهير والتهويل لأغراض مقصود منها الحقد أو الاستفادة من الشائعات في زعزعة الأمن والاستقرار أو إثارة العصبيات الطائفية والعنصرية بل أصبحت سلاحا في صراع الشركات وتصفية الحسابات، لذلك فهي تمثل الآن مصدر دخل قويا لمطلقي الشائعات وأصحاب المواقع المشهورة المروجة لها.
إن حرية الرأي والتعبير لا تعني أبدا أن يكون بلدنا أرضا خصبة لبث سموم قاتلة بين أفراد المجتمع وترويع المواطنين الآمنين وتشتيت الفكر، فعلى الجهات المسؤولة واجب محاربة هذه الشائعات منذ بدايتها عبر وسائل الإعلام والجهات الأمنية بشفافية وحزم، وعلينا أن نعي حقيقة غفل الكثيرون عنها وهي أن للكلمة هيبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصاد ألسنتهم».