ابتزاز، نصب، احتيال، كلها معان واحدة لحكايات وحكايات يعيشها مجتمعنا في هذه الأيام الغريبة، حكايات صادمة تضرب بعرض الحائط مشاعر الوفاء والصدق للعلاقات الإنسانية المعروفة منذ القدم، فهذا زوج وبكل برود أعصاب يدفع المبلغ الضخم الذي تسلمه من زوجته لدفع القسط الأول لشاليه الأحلام لصديقته.
وآخر يقنع شقيقته بإعطائه توكيلا لحمايتها من البهدلة حسب اصطلاحه عند تسجيل الشقق الاستثمارية التي اشترتهم لتفاجأ بعد ذلك بأنه سجل الشقق باسمه بل انتقل للسكن مع عائلته في إحداها وتركها تتحمل خسارة مبلغ التقاعد وسداد القرض البنكي.
هذا عدا قصص التغرير بالفتيات أو الروايات الغريبة لابتزاز فتيات للرجال والشباب، والأشخاص الذين يدعون الحاجة مبالغة أو كذبا لنزف أموال المحسنين وجميعها قصص أغرب من الخيال ضرب أصحابها بعرض الحائط المشاعر النزيهة وألغوا القواعد الدينية والاجتماعية، فماذا حدث للبشر؟
يجب أولا أن نعترف بأننا في زمن طغت فيه المادة كثيرا على الروابط الاجتماعية والإنسانية فكل شيء أصبح بحساب وهؤلاء المحتالون يعتبرون أي علاقة اجتماعية صفقه أو مشروعا يستثمرونه لمصالحهم، وهم في الغالب أشخاص قريبون منا (شريك حياة ـ أبناء ـ إخوة ـ أصدقاء ـ موظف قديم..) وضعنا ثقتنا فيهم فاستغلوها لتحقيق أغراضهم، فهم يسعون إلى توظيف العواطف الصادقة لمصالحهم لأن اللعب على المشاعر الإنسانية أمر سهل غير مكلف لمن يحترف الكذب والخداع، خاصة إذا كان الطرف الثاني قليل أو عديم الخبرة طيب القلب صادق المشاعر ولديه عاطفته وثقته بالآخرين سريعة وعمياء، وقد يكون في حاجة نفسية إلى مشاعر عاطفية حرم منها فيصبح فريسة سهلة يتلاعب بها عديم الذمة والضمير.
أدوات للاحتيال والنصب واحدة دائما مجرد كلمات لطيفة معسولة وعبارات غزل ومشاعر حانية دافئة، وقد يلجأ البعض بعد أن يضمن نجاح خدعته إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة بتسجيل المكالمات الهاتفية أو مقاطع فيديو أو صور للضغط لتحقيق أهدافه وكسب المال.
جميع ضحايا هؤلاء المحتالين من الرجال والنساء خاسرون لكن الخاسر الأكبر هو المرأة بأي عمر كانت فهي بحكم تفكيرها العاطفي وصور الرومانسية الحالمة والمختزنة في عقلها الباطن تصبح سهلة الانزلاق في المشاعر الكاذبة فتعطي بحب وتسعى إلى إرضاء الطرف الآخر وقد تتنازل عن أشياء لا يمكن تعويضها.
يعانى المغرر بهم أو الضحية من صدمتهم بالطرف الآخر والكثير من الألم ولوم الذات عدا تحملهم سداد الديون والخسائر المالية، وقد يصابون بأمراض جسدية مميتة وقد يتعرضون للسجن والرفض الاجتماعي، لكن ذلك لا يعنى أبدا أنهم خارج دائرة المحاسبة فهم السبب الرئيسي لما حدث لهم لتماديهم في الثقة والعواطف قال تعالى: (قل هو من عند أنفسكم) ـ (سورة آل عمران: آية 165)
التطور الحديث للمجتمع أتاح مستوى تعليميا جيدا للأفراد ومجالا أوسع لتبادل الخبرات والوعى بالأمور القانونية والحياتية والفطنة وقوة البصيرة لحماية أنفسنا وتحقيق التوازن في الحياة، وذلك بهدف حماية أنفسنا من الوقوع بالمحظور، أما المحتالون فإن نجوا من العقاب الدنيوي فعدالة الله موجودة.
[email protected]