فرض طعام الفاست فود نفسه علينا وتقبلناه كأسلوب لحياتنا الحديثة، وبالرغم من معرفتنا اليقينية بمضاره العديدة على الصحة العامة إلا أن انتشار مراكزه والسرعة في تجهيزه، بالإضافة إلى شكله المغري ومذاقه الممتع جعلت له مكانة متسيدة وقوية هزت عرش الأطباق الشعبية المشهورة، ولم يكتف بذلك بل تغلغل وبهدوء تام في حياتنا ليسيطر على الكثير من المفاهيم والمبادئ والقيم والعادات حتى أصبحت حياتنا اليومية تسير بأسلوب الفاست فود.
إن الإيقاع السريع لحياتنا المعاصرة صاحبه إيقاع أسرع للحالة المزاجية للبشر، فلم تعد هناك سعة للبال وهدوء للأعصاب كالماضي، فأغلب البشر لم تعد لديهم القدرة على تحمل النصائح والإرشادات من أي من كان حتى وإن كان من أقرب المقربين لهم لمساعدتهم على حل مشاكلهم أو تسيير أمور حياتهم، والغالبية يرون أنهم على درجة كبيرة من الفهم والوعي للاستمرار في الحياة وتحقيق النجاح، فهم يريدون كل شيء وبسرعة فالصبر عملة قديمة بالية لا تصلح لمنطق هذا الزمن حسب مفاهيمهم، والنجاح الدراسي يعني بديهيا النجاح الوظيفي والسرعة في الترقية الوظيفية والوصول الى الغنى والشهرة.
لكن هل من المنطق أن أي شخص يتخرج ويحمل الشهادة ويتسلم وظيفته اليوم سيصبح بعد مدة قصيرة مديرا أو وكيلا أو وزيرا ويرتفع دخله الشهرى ويتحول الى ثري مشهور يلعب بالمال؟ التسلسل الحياتي يخبرنا بأنه قد يحدث ذلك ولكنها ضربة حظ لا أكثر ولعدد قليل جدا، وأن أغلب البشر سيسلكون النمط المتعارف عليه في الحياة، وهنا تحدث الصدمة ومعها تنقلب الحياة رأسا على عقب ويبدأ الرفض والاحتجاج والمشاكل وعقد المقارنات.
صحيح أننا نعيش عصر السرعة ولكن الحياة الحقيقية ليست بهذه الصورة، فالنجاح والوصول للثراء أو السعادة بحاجة لجهد كبير وصبر وتعب واجتهاد مع إعادة النظر في الأمور في حال الفشل ووضع إستراتيجيات منوعة وتحري طرق جديدة، فنحن خلقنا لنعمر الكون والتعمير بحاجة لوعي وإدراك وبصيرة في كل خطوة من خطواتنا.
الأحلام المرسومة بسخاء في أذهان الجيل الجديد وبعض من الجيل السابق هي أحلام غير ناضجة وتفتقد الواقعية، انهم يريدون كل شيء وبسرعة، بينما الحقيقة المغيبة عن الغالبية هي أن الحياة لا تعطينا كل ما نريده بل تعطينا دروسا عديدة لتعلمنا كيف نتماشى مع تغيراتها ونكافح حتى الممات، فالنجاح والسعادة لا يأتيان عن طريق حلم، صحيح أن الخيال جميل ولكن هذا الحلم ماهو إلا بذرة بحاجة لجهد وتعب ومثابرة وتطوير مستمر لذواتنا لتصبح واقعا وان نبتعد قدر المستطاع عن المقارنات الخادعة، وألا نكتفي برؤية النهايات الجميلة للآخرين، فهذا الثري أو الشخص الناجح قد قضى سنوات من حياته في كفاح وجهد ودموع، فلا يوجد أبدا نجاح ولا سعادة بمنطق الفاست فود.
[email protected]