د.عبدالسميع بهبهاني خبير واستشاري نفطي مدير شركة أسكا للاستشارات البترولية
تقرير «أوپيك» لشهر اكتوبر 2017 اظهر تفائلا في محله في ازدياد الطلب للعام الحالي 2017 الى 1.5 مليون برميل بالاشارة الى تحسن النشاطات الاقتصادية وزيادات طلب غير متوقعة من دول منظمة التعاون الاقتصادي (OECD). ذلك رغم زيادة الانتاج من دول خارج «أوپيك» ولكن في حدود اقل من المتوقع مما يعني ان منحنى التوازن متجه في الاتجاه المطلوب. هذا ايضا ما يؤكده مؤشر معدل اسعار 50/200 يوم (MACD) التصاعدي.
هذا ما نشرته «أوپيك» في تقريرها لشهر اكتوبر 2017 على موقعها الرسمي. مع ذلك نقلت احدى الصحف عن وكالة «رويتر» 8 نوفمبر، من ان التقرير ذكر توقعات تباطؤ الطلب على نفط «أوپيك» كنتيجة لخفض انتاج «أوپيك» الذي سيؤدي الى ازدياد انتاج خارج «أوپيك»، بالاضافة الى النمو السريع للسيارات الكهربائية، كل ذلك سيؤدي الى تأخر استقرار اسعار النفط الى منتصف 2020!
ذكر تقرير «أوپيك» ان الطلب في 2018 سيرتفع بمقدار 1.4 مليون برميل يومي لتزداد حصة «أوپيك» الى 33.1 مليون برميل يومي (مقارنة بتقدير 32.8 مليون برميل 2017) من الانتاج العالمي اي بزيادة 400 الف برميل وذلك لتحسن الاقتصادات، خاصة الصيني والروسي.
رغم رصدي للتباين بين معلومات وكالة «رويتر» وتقرير «أوپيك» التي قد افسرها، بحسن نية لعدم الدقة في النقل، إلا انني اود التعليق على عاملين مؤثرين في الطلب العالمي على النفط قد ذكرا في تقرير «رويتر» عن «أوپيك» وهما العامل الجيوسياسي والآخر زيادة الطلب على السيارات الكهربائية.
ارجع تقرير الوكالة على ارتفاع اسعار برنت خلال الاسبوع الماضي الى 64.27 دولار (اي زيادة 3.7 دولارات للبرميل) الى العامل الجيوسياسي حيث التوتر المتصاعد بين السعودية وايران وتأجيل استقرار الاسعار الى نماء الطلب على السيارات الكهربائية.
ان العامل الجيوسياسي الشاغل هذه الايام هو عدم انسجام «أوپيك» السياسي الحالي وقبل ثلاثة أسابيع من اجتماع «أوپيك» القادم، نهاية نوفمبر. فحالة التوتر بين السعودية وايران وبين بعض اعضاء دول «أوپيك» الخليجية قد تؤدي الى عدم اتفاق على تمديد الخفض في الانتاج او الى حرب عسكرية حسب الناظر الخارجي. كلا الاحتمالين من المنظور الاقتصادي المنطقي «ضعيف» وغير وارد الحدوث. فمن جانب مشاريع السعودية الاستثمارية القادمة وعلى رأسها بيع حصة 5% من «ارامكو» تحتاج الى سعر برميل مستقر فوق الـ 60 دولارا لتكون مجدية. وانخفاض المخزون المالي (خاصة العملة الصعبة) نتيجة الحروب التي خاضتها ايران مباشرة تحتاج ايضا الى انتاج برميل ذي جدوى اقتصادي عالية. ومن جانب اخر احتماليات المواجهة العسكرية بين اعضاء المنظمة ايضا لا يؤيدها المنطق فمشاريع السعودية الاستثمارية العملاقة من منطقة حرة «مشروع نيوم» ومصانع المشتقات المشتركة مع الصين وروسيا ايضا تحتاج الى استقرار امني لتضع اساساتها. وانهيار اسعار النفط منذ منتصف 2014 افقد «أوپيك» قوتها ومصداقيتها مما عانت منه السعودية وسائر دول «أوپيك» وبالكاد نلحظ عودة هيبتها. فادخال العامل الجيوسياسي في الاجتماع القادم لا يؤيده المنطق.
ارجع تقرير «رويترز» عن «أوپيك» تباطؤ توازن السوق الى منتصف 2020! نتيجة تنامي الطلب على السيارات الكهربائية وهو هاجس مبالغ في نقله عن تقرير «أوپيك» وغير مبني على دراية تفاصيل تنامي السيارات الكهربائية. سوف لا نناقش العقبات التي تواجه اشهر شركة «تسلا» التي تعاني من نقص رأس المال المطلوب لتوسعه مصانعها لتستوعب طلبات السيارات الرخيصة موديل 3. فتوسعة مصانعها تحتاج لانتاج عشرة الاف سيارة في الاسبوع. وتأخير تسليم سيارات اس واكس من الربع الثالث الى الرابع قد خسرها 1.6 مليار دولار.
ولكن كما صرح المدير التنفيذي لشركة اكسون موبيل ان 2 مليون سيارة كهربائية انتجت مقابل 92 مليون سيارة وقود حرق نفطي (اي 2%) لسنة 2016. حسب الدراسات الاحصائية ان في عام 2040 سوف تغطي السيارات الكهربائية 6%من سيارات العالم وعلى فرض (والكلام لاكسون) مضاعفة عدد السيارات الى 12% فإن ذلك سيأخذ فقط 0.5 (نصف) مليون برميل يومي فائض! وهو رقم مهمل امام انتاج 100 مليون برميل يومي (اي 0.5%) في عام 2040 (قد نفصل فيها في مقال اخر). نستنتج من ذلك ان السيارة الكهربائية لا تعتبر تهديدا لسيارات الوقود الاحفوري.
نستنتج من الدراسة السابقة ان الارتفاع السعري مستقر بسبب التوازن الناتج عن انخفاض المخزون وليس الجانب الجيوسياسي وان السيارات الكهربائية لا تشكل تهديدا للاستهلاك النفطي. ونؤكد ان تقارير «أوپيك» تحتاج الى نمط اعلامي لنشرها.