كانت تلك السنة في أواخر التسعينيات، في ٩٥ أو ٩٦ على ما اذكر، وقتها كنت لا أزال طالبا غرا في ثانوية الجابرية مقررات أجاهد نفسي لتحقيق أفضل معدل قبل التخرج من هذه المرحلة الدراسية، في ذلك الصيف قرر والدي السفر برا الى لبنان، والدي من عشاق السفر برا ولم يكن قد سافر الى لبنان برا من قبل، خط المسير كان كالآتي: السعودية ثم التوجه شمالا الى الأردن ثم الدخول لسورية ومن ثم لبنان، الرحلة كانت بسيارة الرحلات القديمة الفان الخاصة بأبي وكنا أنا وأخي فقط الحضور بالاضافة الى أبي طبعا.
لم أحب السفر براً قط، وهذه السفرية كانت طويلة بحق، ولم يسبق لي السفر الى سورية من قبل فكانت أول مرة، لنتجاوز المرور بالأردن سريعاً لعلي اكتب فيها مقالاً آخر ولتبدأ رحلتنا من المنفذ الحدودي بين الاردن وسورية، حيث الغابات وأشجار الصنوبر على الجانبين باليمين والشمال، أحببت رائحة الشجر بقطرات الندى تلك، بعدها الى درعا ومن ثم الى الشام ودمشق، اعتاد السوريون تسمية دمشق بالشام مثل ما يقول إخواننا المصريون عن القاهرة (مصر)، بدأت لي العاصمة دمشق أول مرة بسيطة جدا في تكوينها ومبانيها، أغلب المباني هناك قديمة ولا يزيد ارتفاعها عن أربعة أو خمسة طوابق باستثناء الفنادق طبعا.
دمشق، حاضرة من حواضر العرب والإسلام، أقدم عاصمة بالتاريخ وأقدم مدينة سكنها بنو آدم، يقول لي احد أصدقائي السوريين: سميت الشام شاماً لأنها مثل الشامة على الخد، مدينة وحيدة كانت على أطراف الصحراء البيضاء وكلما توجهت في سورية شمالا ازدادت الارض اخضرارا ونضرة، ويبدو ان إعجاب الشاميين باللون الأخضر كبير جدا وعلاقتهم بالزراعة علاقة مرضية وغريبة بحق، إذ يندر أن تجد بيتاً ليست به حديقة، الزراعة في كل مكان حتى على أسطح المنازل، دايما البيوت الشامية عامرة بالأخضر تتوشح به ليل نهار، صيفا وشتاء، تتدلى تلك الأغصان من كل مشربية وتلك الوريدات المختلف ألوانها في كل أصيص تبشر بالحياة، حتى الدوائر الحكومية ومكاتب المصالح العامة تتشح بالأخضر أيضا، يعجبني إدمان الزراعة وروح الفل والياسمين عند اخواننا السوريين.
بدت دمشق القديمة شامخة، من فوق جبل قاسيون، ذلك الجبل الذي لا طالما تغنيت به فيروز، جبل قاسيون يحيط دمشق العتيدة بذراعيه، يحميها يواسيها، يمنع عنها عوامل الدهر وتأثير السنين عليها، انفة السوريين وكرامتهم يستمدونها من شموخ ذلك الجبل الذي صار مضرب الأمثال، منظر دمشق ليلا تتلألأ رأي العين من فوق قاسيون منظر مهيب يسبب ادمان الجمال في العين والقلب معا، كيف انتِ اليوم يا قاسيون؟ وكيف انتِ اليوم يا شام؟