هناك سباق محموم بالمنطقة لاكتساب السلاح النووي بين دول كثيرة، والبعض يعتقد انه لو امتلك سلاحا نوويا فإنه سيتفوق على الآخرين، ويجعل كلمته مسموعة في العالم، وهذا فهم مجانب للصواب وخاطئ، وخير مثال على ذلك ماليزيا واليابان ودول أخرى كثيرة فرضت إرادتها من غير سلاح نووي، واليابان التي تمت هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، امتصت الصدمة، وأعادت صياغة نفسها من جديد، فأصبحت واحدة من أقوى الدول بل وفي مصاف الدول العظمى، وفرضت نفسها على الجميع، وهي قادمة بقوة، مع أنها لا تمتلك سلاحا نوويا، كيف استطاعت الوصول لذلك؟.. إذا لابد من أن هناك أمورا جعلتها في الصدارة والمقدمة.
أما ماليزيا البلد المسلم والذي يضم خليطا من مختلف الأعراق والثقافات في الوقت نفسه، فيعتبر واحدا من الأمثلة على التفوق والتقدم دون أي سلاح نووي، سواء على الجانب العلمي أو السياسي أو الاقتصادي، بل أصبح بلدا جاذبا لرؤوس الأموال، حتى أصبح في قائمة أول 20 دولة تجارية بالعالم بصادراتها ووارداتها، إن هناك مجموعة من الأمور التي أدت إلى تطور ورقي هذا البلد، ولو وجدت هذه الأسباب في بلد، فسوف تساهم في رقي وتطور المجتمع، وهذه الأسباب هي: العلم والمعرفة، وتطبيق القانون، والحرية.
فالعلم والمعرفة من الدعامات الأساسية لتقدم البلدان وبناء الحضارات، ولا مكان في هذا العالم لغير المتعلمين، وبدون علم ومعرفة لا يمكن للدول أن تتقدم وتتطور ويكون لها دور ريادي وتكون في الطليعة، وإن أول كلمة نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم هي «إقرأ»، والقراءة هي الجسر والطريق الذي يؤدي إلى المعرفة والعلم، وكان تقدم المسلمين في السابق بسبب فهمهم لأهمية العلم، فقاموا بنقل وترجمة الكتب اليونانية إلى اللغة العربية مع تفحص ما فيها وأخذ الدروس والعبر منها، وتم بناء المكتبات التي تضم العلوم المختلفة من رياضيات وعلوم بجانب كتب الدين في قرطبة وبغداد، وبذلك قامت الحضارة الإسلامية التي خرجت لنا ابن سينا، وابن رشد، وابن خلدون، والخوارزمي، وبعد ذلك قام الأوروبيون بترجمة العلوم العربية إلى لغاتهم وبدأوا من حيث انتهى العرب، فوصلوا إلى ماهم عليه اليوم من تقدم.
والقانون وتطبيقه دون تمايز، يعتبر الركيزة الثانية لتطور وتقدم الدول، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، وعند تطبيق القوانين يجب أن تطبق على الجميع من دون تمايز بين أحد، فالكل يجب أن يكونوا سواسية أمام القانون، فعدم تطبيق القوانين يؤدي إلى الشعور بالغبن لدى المظلومين، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار بل وزوال الأمم، وحتى رؤوس الأموال تهجر البلدان التي لا تطبق القوانين، فالقانون هو الدعامة والعصب الرئيسي والأساسي في أي مجتمع يريد أن يتطور.
أما الحرية فتعتبر دعامة مفصلية في تقدم الدول، والذي يقرأ التاريخ جيدا يعرف كيف كان مصير الظالمين، في الدنيا قبل الآخرة، ما الفائدة من تعليم من غير حرية، وقانون يجعل من الأخ يتجسس على اخيه، وينظر إلى أسفل قدمه وهو يتحدث مخافة أن يراه أحد، وأي مكان يتم انتزاع الحرية منه فهو معرض للزوال، وكما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وكما يقولون «الإنسان الحر هو الذي لا يخشى السير بأفكاره حتى النهاية».
إن النجاح العسكري لأي دولة معرض للزوال في أي وقت إذا لم تكن هذه الأركان الثلاثة موجودة، بل وهي التي ترسم حدود الحضارة، وتجعل من التواصل الحضاري أمرا مهما وحيويا، وهي التي تساهم في ردم الهوة السحيقة بين الشرق الغرب علميا واقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا، وتحدثت كتب التاريخ عن المغول والتتار وكيف انهم احتلوا العالم، وعاثوا في الأرض فسادا، ولكن هذه القوة العسكرية التي كانت لديهم لم تسعفهم في النهاية على بقائهم، وسرعان ما تعرضوا للزوال، لأنهم لم يراعوا هذه العناصر، والأيام دول، والسلاح النووي لن يساهم في تطور الدول لو تم كسر أحد هذه الأركان الثلاثة، العلم والمعرفة، الحرية، القانون.
[email protected]