يقول صاحب كتاب «رؤيتي»، ذات يوم دخل موظف إلى الديوان وشكرني بكلمات خجولة قليلة على ترقيته إلى منصب نائب إحدى الدوائر، متمنيا أن يكون عند حسن الظن ثم استأذن بالانصراف، فأمسكت يده وقلت له: «محمد، لا تحسب أن ترقيتك جاءت مصادفة، فأنا أتابع عملك منذ 4 سنوات وأعرف عنك كل شيء».
استغرب الموظف وقال: «أنا لا شيء، أنا موظف من عشرات الآلاف من الموظفين مثلي». فقلت له: «كنت هكذا لكن حدث ما جعلنا نهتم بك ونتابع أداءك».
وذلك أن هذا الموظف كان لا يجلس في مكتبه طويلا وكان كثيرا ما ينزل إلى صالة المتعاملين ويساعد كبار السن على إتمام المعاملات أو ربما أوصلهم للباب، وتم إعداد تقرير في هذا الموظف لما يتميز به من كفاءة ومهنية وأمانة، ولما قدم استقالته من الوظيفة الحكومية بعد 4 سنوات بسبب عرض مغر من القطاع الخاص قررت أن أقدم له عرضا أكثر إغراء فرفعته إلى منصب الصف الثالث إلى منصب نائب المدير العام.
هذه حادثة تبين كيفية اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب وكيفية «التنقيب في العقول»، ومن غير أي مجاملات أو محاباة، وهذا الشيء بلا شك سيؤثر على العمل بشكل إيجابي، أما لو أنك أردت اليوم الوصول إلى المناصب عندنا فأعتقد أنك بحاجة إلى أمور تختلف بعض الشيء عن التي ذكرها صاحب كتاب «رؤيتي»، تحتاج الى شيء من التخطيط وأن تتبنى القضايا الطائفية وتقتات عليها، أو تدخل ضمن الأحزاب والتيارات الموجودة، أو تحاول أن تلعب على وتر القبلية، أو تدخل ضمن النفوذ العائلي، وهذه الركائز الأربع ستحتاجها في المناصب الحكومية لدينا بلا شك، أو حتى شركات القطاع الخاص، ما عدا الشركات العائلية فإنها قائمة على ركائز تختلف عن التي ذكرناها هي الكفاءة، والأمانة.
نعود إلى العناصر التي يحتاجها الطامح للمنصب، فلتبدأ بطرح القضايا الطائفية، وتحاول التركيز عليها في وسائل الإعلام المختلفة، وتبين مدى المظلومية التي لديك والظلم الذي واقع عليك، وإن كان اعتقادك أن هذا أمر غير موجود أصلا، فهذا لا يهم كونك تطمح للمنصب، وكما تقول القاعدة الميكيافيلية «الغاية تبرر الوسيلة» مادامت هذه الطريقة توصلك إلى ما تريد.
ومن نافلة القول ان الدخول في التيارات يعتبر الركيزة الثانية إن لم تنجح الطائفية، ما عليك إلا الدخول بأحد التيارات، وتعرف الداخل والخارج منها، وتحاول أن تكون عضوا فاعلا، وتجد من يتبناك فيها، وإذا كان لديك مال فمن الأفضل أن تتبرع لهذه التيارات للوصول إلى الغاية الأسمى وهي المنصب، وتحاول ألا تختلف كثيرا في وجهات نظرك معهم، كون هذا يؤثر عند ترشيحك للمنصب من قبلهم.
وإذا لم تنجح الطريقتان، يبقى لديك الطرح القبلي، وما عليك إلا أن تحول 50 صوتا إلى دائرة مختارة بعناية، وتحاول الضغط على أحد النواب، ويجب أن يكون لديك كشف بالأسماء المحولة، لأن النائب لديه كشوفات لفرز الناخبين وعادة ما تكون لديه في غرفة داخل السرداب وذلك لأن لجنة التعديات أزالت الدواوين الخارجية وغرف الكيربي، وإذا رأى مدى تأثيرك فأبشر بالمنصب.
أما إذا كان لديك دعم عائلي «ما يخرش الميه»، وكان لديك 100 صوت انتخابي في دائرتك، فأبشر بمنصب «وكيل»، ولكن يجب أن يكونوا على قلب رجل واحد، ويجب أن تحاول أن تضغط على العضو أو الوزير بأن ترسله عدة أشخاص من العائلة، لتوصيل نفس الرسالة.
وفي النهاية إذا لم تنجح كل الطرق، فما عليك إلا أن تتزوج نائبة، ومن خلال هذا الزواج ستصل للمنصب، وإذا لم تفلح العملية فحاول أن تنزل زوجتك الانتخابات المقبلة، لأنها إن لم تنجح فحتما ستأخذ هي منصبا بدلا عنك، وإذا نجحت هي فاعتبر أن المنصب أصبح من نصيبك.
[email protected]