لم يعد خافيا على أحد هذا الوعي التركي الناضج والمتزن والمتوازن في الوقت نفسه، وهذا الانفتاح الحاصل على العالمين العربي الإسلامي والعالم الغربي في نفس الوقت ذاته، وبعد انغلاق وعزلة كبيرة دامت لعدة سنين، وقبل مجيء حزب «العدالة والتنمية» بقيادة أردوغان ومهندس السياسة التركية أحمد داود أوغلو، ومن يريد أن يعرف ماذا قدم أوغلو لتركيا فليقرأ الكتاب الذي ألفه تحت عنوان «العمق الإستراتيجي».
لقد كانت تركيا العلمانية المتطرفة قبل مجيء «العدالة والتنمية»، منعزلة ومنزوية في زاوية على نفسها، ولا ترى الآخرين شيئا في نظرها، وغير منسجمة مع القضايا الدولية الداخلية والخارجية، وكانت تعاني من العديد من الأمراض المزمنة، والتي كانت تحتاج إلى تغيير جذري.
جاء حزب «العدالة والتنمية» إلى سدة الحكم، فأخرج تركيا من عزلتها إلى العالم الرحب الفسيح، فرأينا نتائج وإنجاز هذا الحزب المخلص لبلدة، حيث حول تركيا إلى دولة مدنية بعد أن كانت عسكرية متطرفة، فعلى المستوى الداخلي استطاع وبفترة وجيزة حل المشاكل الاقتصادية وإيجاد عيش كريم للإنسان التركي، أما على المستوى الخارجي فرأينا كيف مد جسورا للعالم العربي والغربي بالوقت نفسه، وهذا الأمر ما كان ليتم لو كانت تركيا بعقلياتها السابقة، سواء العلمانية أو الإسلامية. ويقول صاحب كتاب «التحدي التركي» إن تركيا تحتل مكانة فريدة في محيطها الإقليمي، فهي ذات تأثير معتبر بإطلالها في الآن ذاته على القوقاز وآسيا الوسطي وعلى الشرق الأوسط ومنطقة البلقان وأوروبا. ويتساءل تركي السديري، في أحد مقالاته حيث يقول: لماذا تظل بعض الدول الإسلامية -في أكثريتها- سلبية التفاعل والتأثير مع توجهات الأفكار الدولية ومؤثراتها؟ لماذا يتواجد في بعضها استيطان العنف والنزاعات ووضوح سلبيات الحياة الاجتماعية التي تنسب إلى الإسلام افتراء.
ولماذا تظل بعض الكتل السياسية والأحزاب الإسلامية بعيدة عن واقعها ومشاكله من غير تفاعل فعال وتسامح يذكر، ولماذا النظر إلى الطرف الآخر بعين الشك والريبة فيما يقوله، خاصة في القضايا الدولية.
[email protected]