عبدالعزيز الكندري
يا أكارم لو طلبت منكم أن تتخيلوا وتستجمعوا أفكاركم لصورة خليفة وإمام عادل بلغ من العدل مبلغا يعجز اللسان عن وصفه والقلم عن ذكره، وبعد ان تتخيلوا هذه الصور في أذهانكم، لأتيتكم بصورة أبلغ وأشمل وأعدل من الصورة التي تخيلتموها.
انه أول من سُمّي بأمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة، وهو أول من جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، وهو أول من جمع الناس للقيام لشهر رمضان.
انه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هل نتحدث عن علمه وورعه أم عن زهده وتقواه أم عدله بين الرعية؟ كانت تأتيه القوافل من أرجاء الدنيا محملة بالذهب والفضة، وهو يصلي بالناس بثوب به 14 رقعة، وكان صاحب مقولة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وكانت إذا هدأت العيون ونام الناس يجوب المدينة بحثا عن فقير يساعده أو مجرم يؤدبه.
لما رجع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام الى المدينة انفرد عن الناس ليتفقد أحوال الرعية، فمر بعجوز فقصدها، فقالت يا هذا، ما فعل عمر؟ قال قد أقبل من الشام سالما، فقالت لا جزاه الله خيرا، قال ولم؟ قالت: لأنه والله ما نالني من عطائه منذ تولى أمر المسلمين دينار ولا درهم، قال وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع؟ فقالت سبحان الله والله ما ظننت ان أحدا يلي على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها، فبكى عمر وقال واعمراه، كل الناس افقه منك يا عمر، حتى العجائز، ثم قال لها يا أمة الله، بكم تبيعيني مظلمتك من عمر، فإني أرحمه من النار، فقالت لا تستهزئ بنا يرحمك الله، فقال لست بهزاء، فلم يزل بها حتى اشترى مظلمتها بـ 25 دينارا فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت: واسوأتاه، شتمت أمير المؤمنين في وجهه! فقال لها عمر: ما عليك يرحمك الله، ثم طلب رقعة من جلد يكتب عليها فلم يجد، فقطع قطعة من مرقعته وكتب فيها «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى به عمر من فلانة مظلمتها منذ ولي الى يوم كذا وكذا بـ 25 دينارا، فما تدّعي عند وقوفه في الحشر بين يدي الله تعالى فعمر منه بريء شهد على ذلك علي وابن مسعود»، ثم دفع الكتاب الى احدهما وقال: إذا أنا مت فاجعله في كفني ألقى به ربي.
ومن المواقف العظيمة في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، انه حينما أرسل كسرى مستشاره الهرمزان الى المدينة يريد عمر، فدخل المدينة وقال: أين قصر الخليفة؟ قالوا ليس له قصر، قال أين بيته؟ فذهبوا فأروه بيتا من طين وقالوا له هذا بيت الخليفة، قال أين حرسه؟ قالوا ليس له حرس، فطرق الهرمزان الباب، فخرج ابنه، فقال له أين الخليفة؟ فقال التمسوه في المسجد أو في ضاحية من ضواحي المدينة، فذهبوا الى المسجد فما وجدوه، فبحثوا عنه فوجدوه نائما تحت شجرة وقد وضع درته بجانبه وعليه ثوبه المرقع وقد توسد ذراعه في أنعم نومة عرفها، فانهد الهرمزان من الدهشة وقال: حكمت فعدلت فأمنت يا عمر.
وصدق الشاعر حين قال في عمر بن الخطاب رضي الله عنه مادحا:
- وراع صاحب كسرى ان رأى عمرا
- بين الرعية عُطلا وهو راعيها
- فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا
- ببُردة كاد طول العهد يبليها
- فقال قولة حق أصبحت مثلا
- وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
- أمنت لما أقمت العدل بينهم
- فنمت نوم قرير العين هانيها
ولما أصاب الناس هول المجاعة والقحط في عهد عمر كان لا ينام الليل إلا قليلا، ومازال به الهم حتى تغير لونه وهزل، وقال من رآه: لو استمرت المجاعة شهورا اخرى لمات عمر من الهم والأسى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «بينا أنا نائم رأيتُني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ الى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته فوليت مدبرا»، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟