بحثت عن معنى كلمة رجل دولة في موسوعة ويكيبيديا، فوجدت أن معناها في الجانب السياسي هو «هو الشخص الذي يشارك في التأثير على الجمهور من خلال التأثير في صنع القرار السياسي أو الشخص الذي يؤثر على الطريقة التي تحكم المجتمع من خلال فهم السلطة السياسية وديناميات الجماعة. وهذا يشمل الأشخاص الذين يشغلون مناصب صنع القرار في الحكومة، والناس الذين يبحثون عن هذه المواقف»، ويقول أهل اللغة ان معنى كلمة سياسة من الجانب الاصطلاحي هو قيادة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتاريخنا حافل برجال دولة، قادوا دولهم وحققوا العيش الكريم لمجتمعاتهم، ومنهم من كان في العصور السابقة مثل الخليفة عمر بن عبدالعزيز «رحمه الله» والذي يقولون عنه انه لم يوجد فقير بعد سنتين من حكمه وذلك بسبب حسن رعايته لرعيته، ولأنه أعاد للخلافة مفهومها الراشدي.
أما في عصرنا الحالي، فأقدم لكم رجل دولة، لفت الأنظار الداخلية والخارجية من حوله، وذلك بسبب الإنجازات الكبيرة التي حققها في وقت قصير، وجعل من تركيا رقما غير سهل على الصعيد الداخلي والخارجي «صفر المشاكل مع الجيران» وستطلق قناة فضائية ناطقة باللغة العربية وموجهة للعالم العربي، أما على الصعيد الداخلي فكان آخرها السعي دمج الأكراد ضمن المجتمع والبوتقة التركية، والتي ستسمح للأكراد باستخدام اللغة الكردية وعودة اللاجئين منهم واستثمار الأموال في المنطقة الكردية لمحاربة الفقر، وذلك لأن الحرب على الأكراد كانت تستنزف ما يقدر بـ 300 مليار دولار من خزينة الدولة، وسوف تصرف على بناء المستشفات والمدارس والبنية التحتية إن أوقفت الحرب .
أظنكم عرفتموه، إنه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، مؤسس «حزب العدالة والتنمية»، المولود في اسطنبول من عام 1954، نشأ وترعرع أردوغان في أسرة ميسورة الحال فقد ذكر في مناظرة تلفزيونية سابقة مع دنيز بايكال رئيس الحزب الجمهوري ذلك، وأنه كان يساعد والده في العمل وهو صغير ليوفر جزءا من مصروف التعليم، درس في المدارس الدينية ثم تخرج من كلية الاقتصاد، ودخل إلى حزب الخلاص الوطني بقيادة نجم الدين أربكان في نهاية السبعينيات، لكن مع الانقلاب العسكري الذي حصل في 1980، تم إلغاء جميع الأحزاب، وفي عام 1983 رجعت المياه إلى مجاريها وعادت الحياة الحزبية إلى تركيا ورجع أوردغان من خلال حزب الرفاه، وفي عام 1994 رشح حزب الرفاه أوردغان لمنصب عمدة اسطنبول، واستطاع أن يفوز في هذه الانتخابات، وأحدث نقله نوعيه هائلة في بلدية إسطنبول، مما جعل الكل يتحدث عن إنجازاته الكبيرة والتي أكسبته شعبية عارمة على الساحة التركية.
وفي عام 1998 ألقى كلمة وكان من ضمنها أبيات اتهم فيها بأنه يحرض على الكراهية الدينية، وحكم عليه بالسجن. وهنا تذكرت قول الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عندما قال «إن سجني خلوة»، وفعلا خرج الرجل الطيب أردوغان لينفذ حكم السجن، خرج ليرى هذا الموج البشري في انتظاره، وخاطبهم عند باب السجن قائلا «وداعا أيها الأحباب، ودعا لوقت قصير، تهاني القلبية لأهالي اسطنبول بعيد الأضحى، تهاني القلبية للشعب التركي، تهاني القلبية للعالم الإسلامي» وقال «إنني لست ممتعضا ولا حاقدا ضد دولتي، ولم يكن كفاحي إلا من أجل سعادة أمتي، وسأقضي وقتي خلال هذه الأشهر الأربعة في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة والتي ستكون إن شاء الله أعواما جميلة، ولكن الامر يحتاج منا جهدا كبيرا وعملا شاقا، وسأعمل بجد داخل السجن وأنتم اعملوا خارج السجن»، وخرج من السجن بغير الوجه الذي دخل به، لقد بررت بوعدك يا أردوغان، فها هي الأرقام تتحدث ونحن في بداية عام جديد 2010، وصدقني لو كان السجان ومن خلفه ومن تآمر معه من العلمانيين، يعلم أنك ستخرج من السجن بهذه العزيمة لما سجنوك يوما واحد، ولفكروا ألف مرة قبل سجن الرجل الطيب، الذي استطاع أن يحول المحنة إلى منحة، وأنت اليوم تعطينا درس القوة والصلابة والتغيير من أجل رفعة الإنسان وعرفت جيدا كيف توجهه وتديره وتوجد العيش الكريم له، لقد كنت أمينا يا أردوغان في إدارة أموال بلادك وخير شاهد على ذلك هو أن اقتصاد بلادك أصبح الرقم 15 على العالم والـ6 في أوروبا، وأصبحت بلادكم رقما صعبا على الصعيد العالمي، وسينمو الاقتصاد التركي 3% عام 2010.
ومن أهم الدروس التي نستفيد منها في قراءة سيرة اردوغان هي العزة والأنفة، وقال في إحدى خطاباته «إن تركيا حكومة ودولة وشعبا لم ولن تكون إلى جانب الظالمين الإسرائيليين». وقال لوزيرة الخارجية الإسرائيلية «تسيبي لي?ني»، والدفاع «إيهود باراك» قائلا: «إن التاريخ سيسجل لكما هذا العار، ويجب عليكما التخلي عن الحسابات الضيقة الخاصة بالانتخابات، فإن دماء الأطفال والنساء والعزل من الفلسطينيين يجب ألا تكون ثمنا لهذه الحسابات». ثم قال لليهود كلمة يذكرهم فيها بفضل المسلمين عليهم في أيام سقوط الأندلس، فقال: «إن الأتراك العثمانيين أنقذوا أجدادكم اليهود من مظالم الصليبيين في الأندلس عام 1492م لدى سقوط الدولة الإسلامية الأندلسية».
[email protected]