وزيــر الخــارجيــة التركي وأستاذ العلوم السياسية التركية أحمد داود أوغلو عين وزيرا للخارجية في تركيا عام 2009، وكان المستشار الرئيسي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قبل تولي حقيبة الخارجية، أكمل دراسته الثانوية في اسطنبول، ومن ثم تخرج من قسم «الاقتصاد والعلاقات الدولية والعلوم السياسية»، وحصل على درجة الماجستير في الإدارة العامة، ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمل أستاذا في جامعة مرمرة، رأس إدارة العلاقات الدولية في جامعة بايكنت في إسطنبول بتركيا، تم منحه لقب سفير بقرار مشترك من الرئيس أحمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء عبدالله غول في عام 2003، كما أن له مجموعة من المؤلفات منها كتاب العمق الإستراتيجي والأزمة العالمية، وكان لمؤلفاته تأثير على السياسة التركية، مما أتاحت له المجال ليطبق النظريات التي كان يراها خاصة في كتاب «العمق الإستراتيجي»، على الواقع.
وإذا أردنا أن نفهم ونستوعب الدور التركي الآن فيجب علينا أن نسبر أغوار هذا الشخص وهو أحمد داود أوغلو لنفهم المعادلة، ونتصور الوضع التركي في ظل المتغيرات الداخلية والتحولات الدولية والخارجية على حد سواء، علما أن «أوغلو» له أسماء كثيرة داخل الأوساط التركية، فيسمى بـ «رجل الظل» و«صاحب اليد العليا»، وقبل تعينه وزيرا للخارجية، كان يعتبر من أهم منظري حزب العدالة والتنمية، وله مقالة مشهورة تلخص وتصف الدور التركي الحالي حيث يقول: «جغرافية تركيا تعطيها حالة دولة مركزية فريدة تختلف عن الدول المركزية الأخرى، فعلى سبيل المثال تعتبر ألمانيا دولة مركزية في أوروبا ولكنها بعيدة جغرافيا عن أفريقيا وآسيا، وروسيا أيضا دولة مركزية في أوروبا وآسيا لكنها بعيدة جغرافيا عن أفريقيا، وإيران دولة مركزية في آسيا لكنها بعيدة جغرافيا عن أوروبا وأفريقيا، وبنظرة أوسع فإن تركيا تحتفظ بالموقع الأفضل فيما يتعلق بكونها دولة أوروبية وآسيوية في نفس الوقت، كما أنها قريبة من أفريقيا أيضا عبر شرق البحر المتوسط، ومن ثم فإن دولة مركزية تحتفظ بموقع متميز كهذا لا يمكن لها أن تعرف نفسها من خلال سلوك دفاعي، ويجب عدم النظر إليها كدولة جسر تربط نقطتين فقط، ولا دولة طرفية، أو كدولة عادية تقع على حافة العالم الإسلامي أو الغرب».
ويظهر العمق الإستراتيجي وفلسفة «أوغلو» واضحة من خلال الأحداث الأخيرة، خاصة على المستوى الخارجي «صفر المشاكل مع الجيران»، وتقديم المساهمة في حل مشاكل المنطقة والتقارب، في سورية وإيران وفلسطين والعراق ولبنان وغيرها من الدول، ويقول «أوغلو» «السلام مهم لتركيا لأنه يسمح لها بتظهير نجاحاتها الاقتصادية وتوسيعها»، ويعتقد أوغلو أن ظهور تركيا بموقع ومكانة محورية متميزة في هذه المرحلة، يرتبط بإقرار رؤية ديناميكية مؤثرة في السياسة الخارجية بأن تكون قوة مركزية وهذا ما حدث بالفعل.
«لم تعد تركيا هي تركيا القديمة التي نعرفها، إنها الآن تركيا التي انفكت عن دورها حليفا وفيا للولايات المتحدة، وشرعت تلعب بأوراق السياسة الخارجية على نحو أكثر عقلانية.. إنها الآن إحدى القوى المؤسسة لميزان القوى في الشرق الأوسط»، هذه المقولة لـ «جراهام إي. فوللر» وقد ذكرها في كتابه والمسمى بـ «الجمهورية التركية الجديدة.. تركيا: لاعب إقليمي متنام».
أعتقد أن ما يحصل في تركيا اليوم إنما هو من نتاج عمل تراكمي ومثابرة كبيرة وواعية، ويعتبر حزب «العدالة والتنمية» قد انحرف عن الأحزاب الإسلامية الحالية، ولكن انحراف الحزب كان واعيا وإيجابيا بكل المقاييس، وبتكتيك من قبل مهندس الإستراتيجية التركية «أوغلو»، والممارسات على أرض الواقع تبين ذلك بكل وضوح، ومن غير أي أجندة أخرى.
[email protected]