يقول جان جاك روسو: «قبل أن أتزوج كانت لدي ست نظريات في تربية الأطفال، أما الآن فعندي ستة أطفال وليس عندي نظريات لهم»!
هذا الاعتراف النبيل من روسو يبين لنا الفجوة العميقة بين الواقع المفروض قسرا والتنظير المتشوق لصناعة واقع مغاير والتي ينزلق في هوتها كثير من المنظّرين!
فكثير من المنظّرين يقدمون للناس آراء ويريدون من الناس أن يتعاطوا معها كقرآن لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها ويصرون عليها مهما كذّبها الواقع!
لذلك رأينا منهم استهتارا بأرواح الناس وأمن بلدانهم وأرزاقهم!
رأيناهم - بعد أن أمّنوا أنفسهم وعوائلهم من عواقب الثورات - يأمرون الشعوب بمصادمة الظلمة دون قدرة للشعوب تساعدهم على ذلك بحجة أن الفيلسوف الفلاني قال ان الحرية تنتزع ولا تعطى!
فتقدم الشعوب على الصدام ويقدمون الضحايا والدماء! وبعد أن يطول أمد المآسي على الشعوب يرجعون إلى منظريهم ليستنيروا بآرائهم!
فينبري المنظّرون وهم جالسون تحت الهواء بين عوائلهم في بلدانهم الآمنة وحولهم ما لذ وطاب.. ليعطوا هذه الشعوب المنكوبة النصائح والتوجيهات من خلف الشاشات ويأمرونهم بالاستمرار في تقديم التضحيات، لأن الفيلسوف الفلاني أكد أن هذه التضحيات ضريبة حتمية لمخاض الحرية التي ستنعمون بها بعد زوال الطاغية!
وبعد أن يزول الطاغية وترتفع أعناق المتبقين من الشعب ليستنشقوا هواء الحرية التي وعدوا بها فإذا بهم لا يجدون غير غبار الفوضى والانفلات!
فينطلقون إلى منظريهم ليستفسروا منهم عن اختلاف ما وجدوا عمّا وعدوا به!
فيرد عليهم منظروهم وهم يتجولون في عواصم أوروبا بصحبة عوائلهم وصغارهم!… بأن هذا الانفلات نتيجة طبيعية وسنّة حتمية من سنن انتقال الدولة من ظلام الاستبداد إلى فجر الحرية!
وبعد أن يطول أمد الفوضى وينعدم الأمن ويتخلى كثير من مؤيدي الثورة عن آراء منظريهم ويتوقون لأي قائد حازم يقطع دابر الفتنة والفوضى ليلتفوا حوله.. وبعد أن يأتي هذا القائد الحازم ـ كنتيجة طبيعية لطول أمد الفوضى.. فمن رحم الفوضى يولد الطغاة! ـ ويلتف حوله من التف.. يهرع الذين ما زالوا مخدوعين بالمنظرين باحثين عن اجابة عما يحصل من تناقضات بين ما أملوه من ثورتهم وبين النتائج التي عادت عليهم منها!
فيعطيهم منظروهم اجابة سريعة - لانشغالهم بالتسوق لعوائلهم والتخير بين أنواع الماركات العالمية - مفاد هذه الإجابة:
أنه يجب عليكم الصبر والاستمرار والحشد للثورة المضادة وأن تسترخصوا أرواحكم وأبناءكم وزوجاتكم في هذا السبيل!
فقدركم أن تموتوا وتكونوا جسرا تعبر من خلاله الأجيال القادمة نحو الحرية!!
فيموت هؤلاء وتبقى الحال على ما هي!
ويذهب المنظرون ليبحثوا عن شعوب أخرى يمارسوا عليها التنظير ويعيدوا معها نفس الحكاية..!!
أي عاقل واع يوقن بأن أمثال هؤلاء المنظرين لا يقلون خطرا على الأمة من الطغاة!
a_do5y@