عبدالعزيز الأحمد
كل منا يود العيش الكريم ضمن مملكته الصغيرة في بيت سعيد به كل مستلزمات الحياة العصرية، ولكن الضرر أن نبالغ في هذه الأمور، ونخرجها من إطار التواضع إلى إطار الفخر والمباهاة.
لقد ظهر لدينا صنف من البشر داسوا على القيم والتواضع وانطلقوا في عالم الفخر والمباهاة، ودفعهم هذا الفخر إلى التمسك بحياة لها مقاس أكبر من مقاسهم ولننظر الى أنفسنا، فماذا يحدث إذا ارتدينا مقاسا اكبر من مقاسنا، لا شك أننا سنتخبط، ونصبح اضحوكة امام الآخرين وفي عالمنا هذا كثير من التعساء الذين مدوا أيديهم إلى السلف والدين من البنوك، والمؤسسات المالية وذلك للعيش في بيوت فاخرة، وامتلاك السيارات الفارهة، والسفر إلى أقصى بقاع العالم تقليدا أعمى لغيرهم فما أثقل هذه الديون!
وكلما زاد الدين، ثقلت الهموم، وقد حاول هؤلاء التعساء الرفع من وسطهم الاجتماعي ووضعوا انفسهم في موضع حرج، فزادتهم الديون تعاسة أكثر، في الوقت الذي باتت المؤسسات المالية تطارد الكثيرين منهم، بعد أن تهافتوا وراء الأوهام والأحلام الوردية فسقطوا الى الهاوية وقد بات التواضع عارا لدى هؤلاء، حيث يعتبرون العيش المتواضع رمزا للفقر، وعدوا للسعادة.
ونأمل أن يخبرنا أحد هؤلاء التعساء. هل وجد هذه السعادة الواهمة بامتلاك أفخم السيارات، والڤيلات والقصور العالية؟ والسفريات العديدة لاقصى بقاع العالم؟
إن السائرين في ركب المظاهر وقعوا في مستنقع لا يخرجون منه ولهذا انتصرت عليهم الديون وعجزوا عن سدادها والوقوف امامها، والوفاء بالتزاماتها، ولا شك في ان التواضع هو ثمرة الخلق القويم، الفقر في حد ذاته ليس عيبا ولكن العيب أن نمد أيدينا للسلف من البنوك والمؤسسات المالية ونعجز عن سدادها.
ولا شك في ان النوم على الخيش من دون ديون راحة للبال وهو احسن من نومنا على الحرير المزيف بديون مثقلة وهذه يمكن لنا ان نتعلمها من علمائنا الأجلاء فها هو إمامنا الجليل شمس الدين النووي الذي كان لا يملك يوما لحافا ينام عليه، وكذلك نتعلم من إمامنا العظيم احمد بن حنبل الذي كان عالما جليلا وفقيرا فكان يعمل حمالا، وكان لا يملك من متاع الدنيا الا الثوب الذي يرتديه، وقد آثر العلماء الاجلاء الحياة بفكرهم وجهدهم العلمي في الدنيا والدين، وملأوا الكون خيرا وعلوما نافعة، فماذا فعل هؤلاء الذين استدانو من البنوك والمؤسسات المالية؟
هل وجدوا السعادة؟ وهل غمروا الدنيا بثقل ديونهم؟ وهل يجرؤ أحدهم على إبداء الإرشاد والنصحية للآخرين بالتزام التواضع؟ والحق يقال ان العيش الكريم هو أفضل واسعد من أي شيء مهما امتلكه الإنسان عن طريق الديون، وإن من يتبع هذا الطريق يدفع الثمن غاليا من سمعته وكرامته ويحصد ثمار التعاسة لنفسه ولأهله والبحث عن الاوهام الفانية ويسقط قناع الجميع في غياهب السجون.