يبدو أن مصير الوطن العربي في القرون الأخيرة سيكون قابعا على مفترق طرق، دون حراك، حتى وإن تقدم خطوة او خطوتين، فإنه سيرجع للنقطة نفسها التي كان فيها، فمع اشتعال ثورات ما يسمى بـ «الربيع العربي» وسقوط الأنظمة في كل من تونس وليبيا ومصر وتزعزع النظام في سورية، فإن فراغا في القوى قد خلق في الوطن العربي، وبالتالي فإن صراعا على الزعامة وملء دوائر النفوذ قد بدأ فيما بين الدول الكبرى والإقليمية، تزامنا مع تلك المطالبات الشعبية.
إذ ان أبرز القوى الكبرى التي تتصارع على دوائر النفوذ هذه الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، أما القوى الصغرى (أو اللاعبون الإقليميون) فهي تركيا والسعودية وإيران، والأخيرتان ترتبطان بعلاقات وثيقة بالولايات المتحدة وروسيا على التوالي، أما تركيا، وإن كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا منذ عقد من الزمن إلا أنها لم تتخل كليا عن علاقتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلى خريطة دوائر النفوذ، فقد كانت مصر وتونس تابعة للمعسكر الغربي، أما سورية (وفي وقت ما ليبيا) فقد كانت تابعة لروسيا، وهؤلاء اللاعبون الإقليميون يتعاملون مع هذا الصراع، تارة حسب ما تمليه أجندتهم، وتارة أخرى تزامنا مع القوى الكبرى.
وبغض النظر عما تمخض (أو سيتمخض) عن هذه المطالبات الشعبية، فإن هذه الدول ـ شئنا أم أبينا ـ ستعمل على وأد تلك المطالبات ان تعارضت مع مصالحها، وهو ما يتضح جليا خصوصا داخل سورية، وكذلك داخل مصر التي تعمها الفوضى وصراع أحزاب يعكس ـ بصورة أو بأخرى ـ هذا الصراع الإقليمي بين تلك الدول، خاصة ان الأنظمة العربية التي جرفها تيار الثورات حتى الآن لم تُقلع جذورها بالكامل، فلاتزال المؤسسة العسكرية وبعض السياسيين الذين خرجوا من كنفها، وأيضا فئة التجار التي تمسك بعنق الاقتصاد في تلك البلدان، لاتزال موجودة وتسعى بخفاء الى إجهاض تلك المطالبات الشعبية.
ومع كل هذا، هناك سؤال يلوح بالأفق: «الوطن العربي يتجه إلى أين؟»، يؤمن بعض المحللين السياسيين بحتمية نجاح الحراك الشعبي الذي اجتاح تلك الدول العربية، وبالتالي فإن مصر وسورية ستتزعمان دفة قيادة الوطن العربي، ذلك أن هاتين الدولتين قد أتت ثورتاهما تلبية لطموحات شعبيهما الصادقة، وهذه الطموحات الصادقة تعبّر فعليا عن إرادة جميع شعوب المنطقة، وكنتيجة لذلك فإن تغييرا سيصيب جميع الأنظمة العربية الأخرى، خصوصا الأنظمة الملكية، وتختلف طبيعة هذا التغيير من جزئي الى كلي، الا انه ـ باعتقادي الشخصي ـ ان هذه النظرة متفائلة جدا، ولا تستند إلى كثير من الصحة، خاصة مع صراع النفوذ سابق الذكر، ذلك أن شعوب دول الوطن العربي تعاني من مشاكل عديدة فيما يتعلق بثقافتها السياسية، منها المحاصصة والمحسوبية والطائفية، وان ارادة الشعوب تلك تتطلب وعيا كبيرا بالنسبة لشعوب تصل معدل الأمية في بعضها الى ما يقارب 60% (كما في المغرب)، والإعلام المسيطر من قبل الحكومات، وأوعية الثقافة الضحلة، من كتب ومجلات ومسرح وفن التي تعتمد على وفرة بالكم، وندرة في النوع، وبالتالي، فإن هذا الحراك الشعبي ـ كما أراه ـ سينقسم على نفسه، وتتصارع فئاته وأحزابه فيما بينهم بدعم من الدول الإقليمية والدولية، وللأسف سيفشل، ويظل الوطن العربي على مفترق الطرق ذاك، دون حراك.
[email protected]