عبدالعزيز المطيري
بطبيعة الحال لا توجد هناك اي صحافة في اي دولة في العالم ذات مصداقية تامة، وقد يرجع ذلك الى طبيعة البشر المتناقضة، ولكن يوجد – بطبيعة الحال ايضا – صحافة في بعض الدول على قدر عال من المصداقية، الامر الذي يمكن ان يعكس مقدار الشفافية العالية وتضاؤل بؤر الفساد في الدولة وهو امر يسهل ملاحظته، وفي الكويت – ولله الحمد – توجد لدى صحفها – من وجهة نظري – مصداقية جيدة لا بأس بها، مقارنة مع الدول المجاورة او دول الشرق الاوسط بشكل عام، وهو امر جيد، لكنني بدأت في الآونة الاخيرة اتخوف من صحة هذه الفرضية، خاصة بعد تزايد الاخطاء – المقصودة وغير المقصودة – في الصحافة الكويتية، الامر الذي يجعلني – وبشدة – اتخوف على مستقبل مصداقية هذه الصحافة، خاصة في ظل العدد المتزايد للصحف الجديدة.
الامر الذي اجبرني على كتابة هذا المقال، هو خبر كذبه واضح كوضوح الشمس، ظهر على الصفحة الاولى لاحدى الصحف، مستغلة جهل البعض بالموضوع، الامر الذي اثار حفيظتي تجاه الخبر والصحيفة، ليس هذا فقط بل اني لم اتوقع ابدا ان يبقى مفعول خداع ذلك الخبر الكذبة، الذي يتحدث عن لعبة وهمية تم استغلالها من اجل سبق صحافي رخيص، حتى بعد مرور اكثر من اسبوعين على نشره.
فقبل اقل من شهر نشرت احدى الصحف حديثة العهد خبرا مفاده ان هناك لعبة جديدة تسربت الى الكويت اسمها «جين بت» مدعمين الخبر بصورة اللعبة، وهي لعبة معدلة جينيا تحتوي على ألياف بشرية وحيوانية مستنسخة وتموت اذا لم يتم العناية بها كأي كائن بشري طبيعي هذا هو الخبر الذي من المفترض ان يعكس الحقيقة، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك.
فأذكر اول ما سمعت عن هذه اللعبة، او بالاحرى «العمل الفني»، كان في العام 2006 على احدى القنوات الاجنبية، اذ انها في الحقيقة عبارة عن «خدعة فنية»، وتعني – بتفسيري الشخصي – عملا فنيا يحتوي على مجمل القيم الفنية بظاهرها ورمزيتها، يتم فيه خداع العامة من الناس الذين يجهلون القيم الفنية، من اجل ايصال رسالة معينة غالبا ما تكون متشائمة او بشعة، من اجل التوقف، والتفكير بجدية حيال هذه الرسالة كحال «جين بت»، وقد ظهرت لاول مرة العام 2005، في تورنتو – كندا، في احد معارض الفنون، عندما تم عرض «العمل» كـ «سلعة» تجارية، والهدف من هذا العمل هو ايصال الحقيقة البشعة لمستقبل الهندسة الوراثية في مجال الاستنساخ، وايضا، من زاوية اخرى واقع الحيوانات الاليفة (جين بت) تعني حيوان الجين الأليف»، وكيف انها مقيدة وتعيش في بيئة ضيقة مفتقدة حريتها كما هو حال «جين بت» بالصورة التي تم نشرها في ذلك الخبر الخادع.
لم اهتم لهذا الخطأ الفادح الذي وقع فيه هذا الصحافي وهذه الجريدة فهو ان دل فانه يدل على التخبط الواضح والمحاولة للتكسب «الشعبي» بطرق رخيصة، ولكن اكثر ما اثار حفيظتي هو تجرؤ ذلك الصحافي على سؤال بعض رجال الدين والبحث عن فتواهم في هذه اللعبة الوهمية، وايضا فبركة خبر ان احد افراد «الجمارك» امسك بأحد المسافرين وهو يهرب تلك اللعبة وانها ماتت فيما بعد، بينما هذه «القطعة الفنية» لا تباع في الواقع لا في الكويت ولا في اي ناحية في العالم حتى في كندا موطن ذلك الفنان الذي قام بتشكيل «جين بت».
ما هكذا يذر الرماد؟ ما هكذا يتم خداع الناس بأخبار كاذبة بعيدة عن الحقيقة؟، ولكن لا ألوم تلك الجريدة المعروف عنها – كطبيعة تكتلها السياسي – بالصراخ السياسي الذي لم نر قطافه حتى الآن، فللذين يجهلون الهدف من تلك الحملة، هو الضغط على احد مسؤولي الاعلام، خاصة بعد حادثة عرضهم للعبة تحتوي على مشاهد جنسية، صار على صدورها خمسة اشهر ولا اعرف لماذا تم التشهير بها في هذا الوقت الحالي؟
هذه الحادثة تجبرنا على الوقوف على واقع صحافتنا الكويتية، فهذه الجريدة ليست هي وحدها من يقوم بتزييف هذه النوعية من الاخبار، وانا لا أحصر بعض الصحف الحديثة فقط، ولكن بدأت ارى في الآونة الاخيرة ازدياد هذه النوعية من الاخبار المزيفة او نصف المزيفة، حتى بدأت اتذكر مقولة ادولف هتلر في كتابه «كفاحي»، عندما كان يتحدث عن الواقع الصحافي في ألمانيا آنذاك: «الناس ثلاثة، من يصدق كل شيء، ومن يكذب كل شيء، وافضلهم من يمحص الخبر بتمعن»، واخاف ان يأتي يوم على صحافتنا – بالمعدل الحالي لتزايد هذه الاخبار – ان يكون اغلب الناس – وانا منهم – ممن يتصفون بالنوعية الثانية، فكما اقول دائما: «أخطر الكذب.. انصاف الحقائق».