عندما غسلت القوى الشعبية يديها من الأنظمة السياسية الرسمية إلا ما ندر لقمع المغتصب الإسرائيلي، اتجهت إلى طريقين: أحدهما طريق العنف المسلح، وقد تطرف فيه البعض الى درجة الجنون وانحرف الى الجرائم المنكرة، فلم يفرق بين البريء والجاني وما بين الشعوب المسالمة وبين الأنظمة المدانة، وخلطت بين القضية الفلسطينية وتكفير الناس. وثانيهما، طريق العمل الإنساني المسالم الخالي من أي مواجهة مسلحة، فهم أبوا على أنفسهم أن ينعموا بحياة مستقرة رغيدة، بينما إخوانهم في غزة يموتون في كل يوم بسبب حصار ظالم يمنع عنهم الحياة الكريمة بجريرة إنهم وقفوا ضد الاستسلام بتطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني، فإذا كانت عقيدتهم الإسلامية تأبى على الواحد منهم أن يشبع وجاره جائع فكيف وشعب بمئات الآلاف جائعون! وعندما يعمل الناشطون لكسر هذا الحصار الظالم بأسلوب سلمي يحملون معهم الزاد والكساء والدواء فيلاقون هذه الحملة العسكرية الشرسة التي لا تعبأ بضمير إنساني ولا بمواثيق دولية تحرّم قتل المدنيين، ثم لا تلقى اسرائيل الملطخة يداها دوما بدماء الأطفال والأبرياء الردع الكافي من الدول الكبرى المتحكمة بالقرار الدولي بل تجد عندهم التعاطف والرعاية والحماية وفي أفضل الأحوال العتب اللين الناعم وذلك ذرا للرماد في عيون اللائمين!
ماذا يعني ذلك؟! ببساطة يعني ذلك تقوية لمنطق الإرهاب الدولي، الذي يرى في العمل الإنساني المسالم ضحكا على الذقون ومضيعة للوقت، وأنه لابد من استرداد الحقوق بقوة السلاح تجاه اسرائيل مباشرة وتجاه الدول والشعوب التي تتعاطف معها أو تهادنها!
إننا بذلك لا نبرر جرائم الإرهاب التي تطول الأبرياء بمزاعم المروق السياسي أو التكفير الديني، ولكن مثل هذه الجريمة النكراء على سفن الحرية تدعم هذا المعنى وتجهض كل فلسفة تجنح نحو العقلانية في التعامل مع القضية الفلسطينية دون تفريط في الحقوق المسلوبة ورن أدت الى المواجهة المباشرة مع اسرائيل. وبل ويدعو ذلك الى غسل أيديهم مرة أخرى من العمل السلمي الإنساني.
تحية للأبطال الشجعان لعموم ركاب سفن الحرية فكلهم يمثلون نسيج الإنسانية بكل أطيافها. وتحية خاصة لإخواننا الأتراك الذين لازالوا يعيشون وجدان الهوية الإسلامية رغم الواجهة السياسية لبلدهم، وتحية خاصة كذلك لمواطنينا الكويتيين والكويتيات الذين أوصلوا رسالة قوية مفادها إن الكويتيين كانوا ولايزالوا أوفياء لفلسطين أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مهما نزغ الشيطان بينهم وبين قلة من الفلسطينيين، كما إن هؤلاء المواطنين كسروا (كذلك) الانكفاء المستمر على الأوضاع المحلية رغم أهميتها ووجاهتها لكن الرسول صلى الله عليه وسلم (بهذا المعنى) يقول «من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم».
[email protected]