عبدالهادي الصالح
الوظيفة التشريعية والرقابية لأعضاء مجلس الأمة هي قضية دستورية اصيلة لا جدال فيها، ولكن في الواقع العملي نجد ان هناك مؤثرين على اداء عضو مجلس الأمة: المؤثر الأول هو الجانب السياسي، والمؤثر الثاني هو الجانب الانتخابي.
ومن الصعوبة بمكان ان تجرى العملية التشريعية والرقابية بمعزل عن الحسابات السياسية ودون ان تكون خالية من اي تقييم للمستقبل الانتخابي للنائب.
ولا نعتقد ان ذلك يشكل عيبا يوصم به جبين العضو البرلماني مادامت تجري وفقا للمعايير الدستورية في الحقوق والحريات ومبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
لو كانت تجري كذلك لكانت الأمور تسير بشكل موضوعي، لكن الجانب السياسي عندما يطغى فيجبن في حالات ويتشجع في حالة ويتهور في اخرى، ومستعملا كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، عبر مساومات تحت وفوق الطاولة وضمن انتقائية واضحة وطبقا للمكسب السياسي، فحينئذ يكون للوظيفة التشريعية والرقابية شأن آخر!
ومن جهة اخرى فإن الفرصة الواسعة للجانب الإعلامي المتاح للنائب تشجعه امام المواطنين على إظهار مدى حسه وإبداعه التشريعي ومدى مصداقيته في استخدام وسائل الرقابة على اداء الحكومة، لكن عندما تتحول الفرصة الإعلامية الى صنم انتخابي بحت دون اي اعتبارات للمصلحة الوطنية العامة، فحينئذ تتحول العملية الرقابية الى قنبلة صوتية تربك الساحة!
العملية السياسية والاعتبار الانتخابي هما اللذان يجعلان الكتل السياسية تفزع في هذا الاتجاه، بينما تغض النظر عن ذاك الاتجاه، وتستصرخ العدالة هنا وتبرر الظلم هناك! تدافع عن فلان باستماتة، بينما تتراخى عن علان! وباختصار صدق احد النواب عندما قال انه في عالم المنطق والعقل أن 1 + 1 = 2 بينما في عالم السياسة فإن 1 + 1 = 5 أو 7 أو 12 أو 20 أو... إلخ!
طبقا لحجم المكسب السياسي لهذا العضو او هذه الكتلة!
ولذلك فمن الصعوبة بمكان نقد البرلمان وهو يمارس وظيفته الدستورية، ولكن الاعتبارات السياسية والانتخابية هي على الأغلب الموجه الأكبر في اتجاه هذه الوظيفة التي تبدو عرجاء احيانا وأخرى عوراء. وهي التي تشعر الناس بانهم يفقدون التنمية في البلاد التي حل بدلا منها الجمود وعدم الاستقرار التشريعي والرقابي، رغم ان السلطة التشريعية والرقابية تمارس دورها الدستوري في الظاهر.
هذا الأمر هو الذي جعل الأعضاء يتنادون الآن للتفرغ للأمور التشريعية التنموية والدعوة الى التهدئة، فلماذا التهدئة اذا كان مجلس الأمة يقوم بدوره الدستوري المطلوب؟!
ان الثغرات الحكومية واضحة لا تحتاج الى جهد وجهاد كثير لصنع البطولات عليها، ولكن المطلوب هو العنب وليس الناطور، فكيف يمكن للوزير ان يحقق الإصلاح ويحارب الفساد الذي تعشش مددا طويلة وتم التسويف او السكوت عنه دهرا، كيف يمكن ان يحقق ذلك في فترة وجيزة؟ ألا يمكن ان نخلق الإنذار والأعذار حتى حين الاستقرار الوزاري المعقول؟!