تجربة عقد حفل جماعي لمجموعة من العرسان والعرايس الذين ضمهم الوقف الجعفري في الأمانة العامة للأوقاف مساء الخميس الماضي، نقلة أخرى لمفهوم الأوقاف ومصاريفه لمشاريع تخدم الناس في قضاياهم وهمومهم، بعيدا عن المفهوم المترسخ عند عموم الناس بأن الأوقاف محصورة في المساجد والحسينيات ودور الأيتام ورعاية الفقراء رغم وجاهتها وقيمتها كصدقات جارية، وفي هذه التجربة نجد انها محاولة رائدة بالمساهمة في تخفيف أعباء الزواج ومصاريفه الباهظة في المجتمع الكويتي، المشكلة التي أدت الى تردد الشباب في الزواج وتزايد العوانس والهروب الى الاقتران بالأجنبيات، كما ان هذه التجربة تكرس التكافل الاجتماعي عندما تساهم المؤسسات التجارية والخيرية الخاصة بالتبرع العيني لهؤلاء الشباب في بداية حياتهم الزوجية فتمدهم بالأجهزة والأثاث المناسب أو حتى المساهمة الطوعية في دفع المهور، وفي ذلك مساهمة جادة أفضل من ذلك الكم الهائل من التنظيرات والتوصيات والنصائح النظرية التي تزخر بها مؤسساتنا التربوية والإعلامية دون اي واقع لها من التطبيق الملموس.
وقد وفقت إدارة الوقف الجعفري باختيار هذا التوقيت المبارك في شهر ذي الحجة، حيث كان موسم الحج وعودة الحجاج الكرام، وذكرى الغدير في حجة الوداع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مناسبة فرحة تعبق بالبهجة والسرور وهي التي تسمى بيوم الولاية والتي ملخصها ـ كما جاءت في التراث لمراجع المدارس الإسلامية كافة ـ انه لما أقفل النبي صلى الله عليه وسلم راجعا من حجته الأخيرة، وفي الطريق في منطقة غدير خم بالقرب من «الجحفة» وكانت تتشعب منه طرق الحجاج الى المدينة ومصر والشام نزلت الآية الكريمة (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ـ المائدة: 67) حيث نادى المسلمين قبل تفرقهم الى ديارهم، وهيئ للنبي صلى الله عليه وسلم مكان مرتفع ليطل على الناس ويسمعوه، وخطب فيهم خطبة منها «.. واني سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» فنادى مناد وما الثقلان يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «كتاب الله، طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، وقد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض..».
وفي نهاية الخطاب النبوي الشريف أخذ بيد الإمام علي بن أبي طالب فرفعها حتى نظر الناس الى بياض ابطيهما، ثم قال: «أيها الناس، الله مولاي وأنا مولاكم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه».. (انظر تاريخ ابن كثير 5/210-213، مسند أحمد 4، مجمع الزوائد 9، سنن ابن ماجه 5، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 1 و...الخ).
كما تجسد في هذه الواقعة التعاطف بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاء في هذه المصادر ان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي الإمام علي عليه السلام فقال له: «هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة» «بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب». هذا وقد نزلت فيما بعد هذه الآية الكريمة قبل ان يتفرق المسلمون: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ـ المائدة :3) والحمدلله على تمام النعمة، وأسعد الله أيام الجميع.
ومن المؤكد ان هناك ملاحظات شرعية كان ينبغي اعتبارها على شكل الحفل، لاسيما ان الصبغة الإسلامية تطغى على هذه المؤسسة المنظمة، لكن ربما بسبب الاستعجال أو غيره فاتت على المنظمين الذين من المؤكد انهم سيأخذونها في الحسبان في المناسبات القادمة، وجل من لا يخطئ ولا يسهو.
[email protected]