عندما يتحدث صاحب السمو الأمير عشية احتفالنا بالأعياد الوطنية فإننا نفهم بوضوح ان المخاطبين ليس فقط عموم الشعب وإنما جميع السلطات وخاصة المسؤولين صنّاع القرار مهما كان تأثير القرار ضئيلا ومحدودا، وينطلق سموه مما هو واقع في الشارع الكويتي فهو يوجه ويحذر، ومن ذلك ان يتصور المسؤول أن يده مطلقة داخل هذه المؤسسة العامة مهما صغرت وانه عمليا خاضع لأجندته الفئوية الضيقة فيصادر حقا ويهمل مكتسبا دستوريا! وللأسف تكرر مثل هذا الخطاب الأميري. ان مثل هؤلاء السائرين في هذا الدرب المعوج يشجعهم على ذلك حفنة من المتمصلحين صغارا وكبارا، كذلك فان سموه أصر على الالتزام بالنهج الديموقراطي والرضا بالدستور عقدا وحكما وأنه سيعمل من اجل حمايته، وأعتقد انها الرسالة الثانية ايضا لمن يريد ان يلتف على هذا النهج أو ينتهك هذا العقد. وليس من المستساغ الآن بعد هذا القول الصريح ان يثار غبار معارك الاتهامات المتبادلة بين النخب الوطنية في الاحتكام الى الدستور.
وعندما يشهد الجميع بنزاهة القضاء لماذا الخوف والهلع عند اللجوء الى المحكمة الدستورية في هذا الصدد؟! والرسالة الثالثة هي دعوة سموه لتسييد القانون والحذر من مغبة الاستقواء بغير القانون، فالملاحظ ان ثقافة الشارع الكويتي تتجه الى ان الواسطة والمحسوبية هما أولى لوازم قضاء المعاملات سواء أكانت حقا أم باطلا! وتعمقت لدرجة انها تمثل عملة في سوق الانتخابات النيابية وأداة ضغط للتوجيه السياسي.
إننا بحاجة الى ترجمة مثل هذا الخطاب الى برنامج توعوي شعبي بعد ان ينتفض الجهاز الحكومي ويفضح بعض النواب الذين يطلقون الشعارات الجميلة بينما أياديهم تعبث بمصالح البلاد والعباد. ما أكثر هذه المواعظ ولكن ما أقل المتعظين. إن الشواهد الجلية من حولنا تعصف بهذه المجتمعات التي نما فيها الفساد حتى تسيّد فأشعل الغضب العارم، وما على الجميع إلا ان يشكروا الله تعالى عمليا بتفادي هذه المنزلقات والعمل على مقاومة الفساد، فبالشكر تدوم النعم وكأن الكويت تستصرخنا: ما تعرف خيري لما تجرب غيري!
ومبروك علينا جميعا كويتنا الغالية والحمدلله رب العالمين على نعمه التي لا تحصى ولا تعد.
علموا أولادكم شكر النعم، المكرمة الأميرية المشكورة بقدر ما تمثل صورة من صور النعمة والرفاهية في بلادنا العزيزة، فإنها تمثل اختبارا لنا في الحرص على هذه النعمة والمحافظة عليها من الإسراف والتبذير، فإن المبذرين إخوان الشياطين ـ كما قال تبارك وتعالى ـ ومن ذلك حرق «الألف» في كماليات تافهة ونزوات شرائية لا حاجة لها أصلا، خاصة من قبل الصغار والمراهقين عندما تكون عشرات الدنانير في أيديهم، كنا نتمنى لو ان المؤسسات المالية العامة والخاصة طرحت صناديق استثمارية وفرصا تنموية مهما كانت صغيرة وذلك لتكريس فكر الادخار والتوفير، وانه امتحان كذلك في كيفية التصرف الشعبي عندما يزداد المال في أيديهم، ومدى مسؤولية هذه المؤسسات عن التوجيه والترشيد الاستهلاكي.
[email protected]