عبدالهادي الصالح
قبل عقدين من الزمن كانت العمرة في بيت الله الحرام يسيرة جدا بسبب قلة المعتمرين، وكان من السهولة جدا استلام الحجر الاسود وتقبيله، واذكر في هذا الصدد ان احد اطفالي كان يسرح الى الكعبة ركضا وحده ويلثمها تقبيلا ليعود الينا من امام جهة ميزاب الرحمة للكعبة المشرفة، اما الآن ولاسيما في هذه الاشهر (رجب وشعبان ورمضان) فإن زحمة المعتمرين تضاهي زحمة الحجيج في ايام الحج، بل تتعداها كثيرا في شهر رمضان المبارك، وهذا مؤشر واضح على الاتجاه الديني للناس في اقطار العالم الاسلامي علاوة على سهولة المواصلات وغيرها، لكن الجدير بالذكر ان فقهاء مدرسة اهل البيت عليهم السلام يشيرون الى ذلك في فتاواهم المدّونة في رسائلهم ومثال على ذلك ما جاء في كتاب «مناسك الحج» لآية الله العظمى المرحوم السيد ابو القاسم الخوئي قدس الله سره، المرجع الديني الكبير: «يستحب الاتيان بالعمرة المفردة مكررا والاولى الاتيان بها في كل شهر..» وفي فقرة اخرى: «وتصح العمرة المفردة في جميع الشهور وافضلها شهر رجب وبعده شهر رمضان».
وعلى من ينكر القيام بالعمرة الرجبية، الا يعمم ذلك على جميع المدارس الفقهية الاسلامية وان يرجع الى فقهائها قبل ان يعلن ذلك، وعليه احترام توجهات الغير الدينية والابتعاد عن التعصب البغيض الذي هو وقود الفتن الطائفية وقانا الله تعالى شرها.
ولا يفوتنا في ذلك ان نشير الى الجهود الكبيرة التي تبذلها سلطات المملكة العربية السعودية في توفير التسهيلات للمعتمرين والحجاح، وكان آخرها مشروع توسعة المسعى (بين الصفا والمروة) الذي يجري الآن العمل به ليلا نهارا عسى ان يتم انجازه في شهر رمضان القادم او موسم الحج القادم على ابعد تقدير، علاوة على المشاريع الكبرى السابقة في منى للجمرات الثلاث حيث تم توسعة مجال الرمي.. وهي مشاريع وان لاقت بعض الاشكالات الشرعية لدى بعض الفقهاء، لكن يبدو انه تم ايجاد مخارج شرعية لا تقدح عموما في أعمال الحاج والمعتمر، غاية الامر نتمنى ان تكون هناك لقاءات دورية بين هؤلاء الفقهاء أو وكلائهم للتشاور في مثل هذه المشاريع التي تتداخل فيها الجوانب الشرعية مع مشاريع المعالجات التي تستهدف حل مشاكل الزحام الشديد في الديار المقدسة.