عبدالهادي الصالح
السفر إلى ديار العالم كان ولايزال يجري في دم الكويتيين منذ ان نشأت الكويت، تجارة وعملا وسياحة، مما كانت له آثار عليهم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا حتى في تركيب كلامهم من مصطلحات.
وهي قضية انسانية عامة.
وزاد عليه في الوقت الحالي وسائل الاتصالات وثورة المعلومات الفورية، لكن يبقى السفر له مزاياه النفسية المباشرة في الاحتكاك مع ثقافة الشعوب ونمط حياتها المعيشية، بل أستطيع القول ان السفر لمعظم الدول المتقدمة ماديا والمتفوقة في الانضباط القانوني أصبح بمنزلة دورة تدريب متجددة على وسائلهم وآلياتهم التي يتعامل المسافر معها يوميا، وهذه الدورة التدريبية يشترك فيها كل الشعب من قيادات عليا وقيادات وسطى وموظفين وطلاب وسائر المواطنين من نساء ورجال.
فالجميع يتعامل مع الشعوب الأخرى كما هي لا كما نحن، فالانضباط يبدأ مع طائراتهم التي لا تتساهل مع وزن العفش الزائد ولا تقبل الواسطات، الى الوقوف في طوابير انتظار الباصات والقطارات والتقيد بنظام المرور، رغم ضيق شوارعهم لكنها مخططة تخطيطا يفي بمرونة حركة السيارات المختلفة الاتجاهات، علاوة على التعامل الحضاري في المحافظة على نظافة المرافق والشوارع العامة والتعامل الآدمي بالبشاشة ورفيع الأخلاق.
ومن جهتها كدولة أو مدينة أو قرية نجد وسائل راقية في توفير آليات الخدمات ودقتها لدرجة احتساب وصول الباص أو القطار بالدقيقة على سبيل المثال.
والأمثلة كثيرة، لكن السؤال الدائم الملح لماذا بعد هذه الدورة التدريبية (السفر) لا يخطط المسؤولون عندنا للعمل نحو مضاهاة وسائلهم الراقية ولماذا لا يستمر المواطن عندنا في احترام القوانين والتقيد بالانضباط الحضاري؟ ولماذا تتأخر كثيرا معالجات مشاكلنا وبرامج تنمية بلدنا؟
للأسف الشديد ما ان تحط عجلات الطائرة في ديرتنا حتى تشعر بالألم والحزن لتراجعنا وقصورنا عن ركب أوجه ذلك التقدم المادي الحضاري، رغم توافر الأموال والعقول والقوانين تحت مظلة دستور من أفضل الدساتير العالمية الذي يتضمن مساحات كبيرة للحريات والحقوق والتشريع والرقابة، ولكن دائما نحن مستغرقون في الجدل السياسي، فلكل من الأطراف فلسفته وغرضه فانشغل الجميع بالناطور وتركوا العنب محزن جدا ان تستقبلك الكويت في مطارها عبر خطوط أرضية مهترئة الأصباغ لمسار الطائرات، وترى بكل وقاحة المدخنين من مسؤولين ومسافرين حتى من العمالة الآسيوية في صالات المغادرة، رغم تحذيرات وتعليمات مضيف الطائرة وهذا أول اشارة للتسامح الكويتي في التقيد والانضباط الحضاري!