عبدالهادي الصالح
بعد أن وصلت الدولة الإسلامية الأولى إلى مرحلة من التنامي عبر الفتوحات الإسلامية كانت هذه الدولة بحاجة إلى بعض الإصلاحات لتستثمر هذا التنامي وما يفيض به من أموال طائلة في صالح الإنسان بصفته خليفة الله تعالى في أرضه، وتبدأ بحملة تفعيل الرقابة المباشرة بصرامة لا تقبل بتاتا بأنصاف الحلول لأن هذه الدولة ينبغي أن تعيش رسالة الإسلام كما أرادها الله تعالى وكما بشر بها الرسول ( صلى الله عليه وسلم )، لذلك وبعد اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) سارع الناس الى مبايعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) خليفة لهم والذي كان واعيا لمسؤوليته الكبيرة في تحمل عملية الإصلاح الكبرى ولذلك وضع القوم تحت الاختبار «دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة تنكرت، واعلموا أني ان أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ الى قول القائل وعتب العاتب...» (نهج البلاغة 1/217) لكن الناس أصروا عليه وأبوا عليه إلا ان يتقلد هذه المسؤولية الجسيمة، فاستجاب لهم معلنا لهم سياسته لتحقيق الأهداف الربانية للدفع بهذا المجتمع نحو المجتمع الرباني، ولذلك اتجهت سياسته الإصلاحية الى ميادين الإدارة والحقوق والاقتصاد، وحدد الإمام علي ( عليه السلام ) مواصفات موظفي الدولة وقيادييها لإدارة شؤون الأمة على مستوى عال من التقوى والأمانة، ونادى بالمساواة بين المسلمين في الحقوق وحكم أمير المؤمنين (( عليه السلام )) بمصادرة كل الأموال التي أخذت بغير حق وارجاعها الى بيت مال المسلمين، فقال ( عليه السلام ): «.. وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال فإن الحق لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء وملك الإماء وفرق في البلدان لرددته فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق» (نهج البلاغة 1/59 – وشرح نهج البلاغة 1/269 -270).
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ): «.. ألا لا يقولون رجال منكم غدا قد غرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة.. ويقولون حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا!.. فأنتم عباد الله، والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية...» (شرح نهج البلاغة 7/37-38).
ولكن كما هي سيرة العظماء سيرة الأنبياء والرسل، كانت سياسة الإمام علي ( عليه السلام ) لها تكلفة عالية جرته الى حروب طاحنة، ابى إلا ان يكون عنيدا في الثبات على مبادئه التي ائتمنه عليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ).
وفي نهاية المطاف اغتيل ( عليه السلام ) في بيت الله وهو يصلي الفجر شهيدا في مثل هذه الليالي الرمضانية المباركة.
فقدم حياته وفاء لهذه الأمانة، فسلام عليك يا أمير المؤمنين يا أمير الإصلاح وأمير التقوى والورع، عليك السلام يوم ولدت في الكعبة المشرفة ويوم قتلت في محراب بيت الله ويوم تبعث حيا، وقد فزت ورب الكعبة كما هي كلمتك الأخيرة.