عبدالهادي الصالح
نعم للدستور الذي وضعه للبلاد المجلس التأسيسي الممثل للنسيج الوطني سنة 1962م «على أساس المبادئ الديموقراطية المستوحاة من واقع الكويت» حسب تعبير كلمة رئيس المجلس عند تقديم مشروع الدستور الى سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح طيب الله ثراه.
ونحن مع المطالبة بعدم تجميد أي من المواد الدستورية، لكن يحق لكل منا ان يتساءل وبعد تجربة 46 سنة من إصداره، هل واقع الكويت اليوم ينسجم مع فلسفة الدستور وغاياته، والتي اختصرها في ديباجته في مقدمة وثيقة الدستور: «سعيا نحو مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية ويفيء على المواطنين مزيدا كذلك من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد، وحرص على صالح المجموع وشورى الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره».
يفترض بعد تجربة 46 سنة ان نكون تخطينا هذه الأهداف بمسافات طويلة بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة، كما نصت عليه م175 منه التي منعت اقتراح تنقيح الدستور إلا بهذا الاستثناء، بالإضافة الى لقب الإمارة.
لكن للأسف أصبحنا اليوم على شفا الفوضى السياسية العارمة، بل أصبحت الفوضى وتجاوز القانون وانتهاك المبادئ الدستورية ثقافة يعج بها الشارع الكويتي بتشجيع من السلطتين التشريعية والتنفيذية! أي دستور هذا الذي نطالب بعدم المساس به؟! وقد أفرغ الدستور من مضامينه العظيمة! أين المساواة وتكافؤ الفرص العادلة بين الجميع؟! للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن.. لقد أشبعونا خطابات وصراخا حول الحرامية وأرباب الفساد، حتى تحول ذلك الى أشباح لا تمس ولا تلمس، أين مساهمات مجلس الأمة في القبض على الفساد؟! حتى الذين حامت حولهم الشبهات والتهم خرجوا براءة بفضل القوانين التي شرعها مجلس الأمة! أين التعليم الركن الركين لتقدم المجتمع، وقد نخرت فيه المناهج وتدنى مستوى الأستاذ والطالب حتى أصحاب الأفكار المستوردة اقتحموا مناهجه الدينية ففرقوا بين الكويتيين عبر التكفير وحتى الإعلام الرسمي لم يسلم منهم! المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا، بربكم ماذا فعل نواب الأمة بالسيد الفالي؟! لقد تجاوزوا على السلطة القضائية وصادروا حقه في الدفاع أمامها وأصدروا حكما عليه بعد أن آذوه معنويا ولو استطاعوا لآذوه جسمانيا!
انظروا كم هي جميلة م35 من الدستور التي تحمي حرية الاعتقاد والشعائر الدينية، ثم انظر كيف واقعنا بالنسبة لمساجد المواطنين الشيعة حتى وصلت الى المحاكم بين سني وشيعي وياأسفاه على الكرامة الإنسانية التي نصت عليهام29 والتي ذبحها بعض النواب على مذبح الانتخابات الفرعية، حيث ينص الدستور، الذي يصارخون بالمحافظة عليه (!!)، «.. وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم..».
وهل بالفعل النائب اليوم يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة؟ هل غالبية النواب هذه هي أولويتهم أم فئاتهم هي الأولوية في الواسطات وللاستحواذ على المناصب وامتيازات الشاليهات والمزارع والجواخير... إلخ؟ أين اقتصادنا اليوم من الاقتصاد الذي تحدثت عنه المواد الدستورية ابتداء من م20؟! التنمية معطلة والمركز المالي للكويت لايزال حلما تتلقفه مجالس الأمة والحكومات من دورة الى أخرى.
أما الخدمات الصحية (م15) وخدمات الاتصالات البريدية والهاتفية (م39) ورعاية النشء والإسكان.. إلخ فحدث ولا حرج، نعم لقد تعاونت السلطتان لإفراغ الدستور الكويتي من محتواه ومضامينه حتى لم يبق اليوم إلا اسمه ورسمه.
وحتى تتأكدوا من ذلك قوموا واقرأوا الدستور وقارنوا الكويت سابقا بالكويت 2008! هل نحتاج الى شعار وصراخ أم إلى شيء آخر يعيد للدستور وقاره وقوته؟!