عبدالهادي الصالح
تقبع جمرات الشيطان الثلاث ضمن مجمع ضخم من أربعة طوابق يجري استكماله الى سبعة ليستوعب عدة ملايين من الحجاج، وبقرب كل من حوائط الرجم يقف رجال الإنقاذ وهم بكامل عدتهم من الخوذ الصفراء وبيد كل اثنين منهم نقالة إسعاف، وتصطف مجاميع من الشرطة والجيش للمحافظة على نظام اتجاه الحجاج، فطريق للذهاب وآخر للعودة دون السماح لخرقه، هذه احدى الصور التي تظهر مدى الاهتمام الكبير الذي توليه المملكة العربية السعودية لضيوف الرحمن والذي لا ينكره إلا مكابر، وهو اهتمام ينظر دائما الى البعيد بدليل هذا التوسع المستمر في أماكن المشاعر، كالسعي بين الصفا والمروة الذي اتسع بدرجة 100% علاوة على الأدوار المتعددة، والواقع ان هذا المخطط للمشاريع الكبرى يحتاج من الطرف الآخر وهم الحجاج الوعي والثقافة لينسجموا معها، وبعبارة اخرى ان العنصر البشري ينبغي ان يتعامل مع هذه المشاريع بإيجابية ولا يكون سببا في هدر الفائدة المرجوة منها، فمن غير المعقول ان يظل الباعة الجوالة (الجائرون) يفترشون الأرصفة والطرقات عند السكن، وكذلك السيارات الخاصة والعامة، ما يصادر حق الحجاج المشاة في المرور بسلاسة ويسر، ومن المؤكد ان الجهات السعودية المسؤولة تبذل قصارى جهدها ولكن اليد الواحدة لا تصفق.. كما يقال.
ناحية اخرى مهمة جدا، أرجو ان تتسع لها الصدور كما هو المتوقع، وهذه عايشتها بنفسي وهي تتعلق بالجانب الحضاري للحوار والتي هي محل اهتمام القيادة السعودية والتي عبر عنها خادم الحرمين الشريفين عندما حضر بنفسه مؤتمر حوار الحضارات الذي عقد في نيويورك برعاية الأمم المتحدة خلال الشهر الماضي، فمن غير المعقول ان يصادر بعض حراس المقابر المقدسة في مقبرة البقيع بالقرب من المسجد النبوي الشريف حق المسلم الزائر في قراءة نصوص الزيارات ضمن كتب الأدعية الشخصية وبشكل أوامر مطلقة بدعوى احتوائها على مواد الشرك وتوابعه ولا اعتقد ان هناك مسلما يتجرأ على ان يتلفظ بمفردات الشرك ولكن هناك بعض الاختلافات الطبيعية بين المدارس الإسلامية لا تتسع لها الصدور، وكثيرا ما يحدث ما يؤسف له من الشجار والتلاسن بين هؤلاء الحراس والزوار.
فلو يصار الى عقد حوارات داخلية مغلقة بين بعض العلماء المتنورين من خلال مختلف المدارس والاجتهادات الإسلامية لمناقشة مثل هذه المواضيع نكون بالفعل قد ارتقينا بمستوى الحوار العلمي الهادئ الذي يمكن معه ان ينقل هؤلاء العلماء الى اتباعهم الرأي المتفق عليه والتدابير المرضية لكل هذه الأطراف وبالتالي نقضي على اي احتقان في مثل هذه الشعائر المباركة، فنحن المسلمين أولى من غيرنا بتبني الحوار الحضاري واحترام الرأي الآخر ضمن المفهوم الإسلامي العام، وكل عام والجميع بخير، وشكرا للمملكة العربية السعودية.