عبدالهادي الصالح
يتفق الجميع على أن المشهد الكويتي يمر بأزمة غير مسبوقة وان كانت بدأت منذ وقت ليس بالقريب، هذه الأزمة انعكست على كل المناحي السياسية والاقتصادية والتنموية والخدماتية والاجتماعية، ولم تعد الكويت كما كانت درة الخليج ويبدو انه بعيد ان تكون الكويت كما هي في احلامنا السعيدة، في ظل هذه الأزمة الشاملة، فأينما تولّ وجهك تر فسادا وتجاوزا وفوضى وتقاعسا وتطاولا على القانون والمال العام، والكل يلعن ويندد ويهدد دون ان نلمس واقعا جديدا ينعم الجميع فيه بالهدوء والسكينة والاطمئنان بأننا نسير بشكل صحيح وكأن كل ذلك الفساد والتجاوز ما هو إلا أشباح خيالية لا تلمس ولا تحس ويزيد الغصة في حناجرنا واللوعة في قلوبنا والعبرة في عيوننا انه لا ينقصنا شيء بفضل الله تعالى من عناصر المدينة الفاضلة: اقتصاد قوي ودخل قومي مرتفع ـ وان مرض أحيانا ـ ودستور تلاقت عليه السلطات، وبايع عليه الشعب، واستقرار في نظام الحكم، ومجتمع شبابي فيه القوى الخلاقة، وديموقراطية وحريات معقولة وعدد سكان محدود على جغرافية محدودة توفر حظا اكبر لتنفيذ المشاريع التنموية بيسر وسلاسة، وغيرها من النعم التي لا تعد ولا تحصى التي تخوض لأجلها المجتمعات القريبة والبعيدة الدم والدموع لنيلها والمشوار طويل أمامها بعد سيل من الفواجع والمآسي.
ومع كل ذلك فإن ذات هذه المجتمعات نرى عجلة التنمية فيها تسير وتنمو رغم مواردها الوطنية المحدودة نسبيا، أما تنميتنا فشبه متوقفة، نعم صخبنا وصراخنا عال وجدالنا عنيف ولكن كلها جعجعة بلا طحين، انها ليست نظرة تشاؤمية، بل هو هذا الواقع الذي تشخصه الحكومة ومجلس الأمة باتفاق وكل أدبياتهما وتصريحاتهما ووعودهما تكشف عن هذا الواقع الكويتي الأليم، حتى بدأت الناس تكفر بالديموقراطية كما قيل في قاعة عبدالله السالم بمجلس الأمة، كتشخيص خاطئ لهذه الأزمة التي تجعل الحكيم حيران في تحديد أين وجه الحكمة؟
يبدو أن الكل يبحث عن صدمة مؤثرة تعيد البناء السياسي وتلغي ثقافة الفوضى والفساد لتحل معها ثقافة جديدة تعيد الاستقرار والازدهار للكويت.
هذه الصدمة يبدو ان الجميع يبحث عنها هل هي في سابقة استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء؟ هل هي في حل مجلس الأمة دستوريا لينشأ عرف آخر بعدم استقرار السلطة التشريعية في مقابل عدم الاستقرار الوزاري؟ ام ان هذه الصدمة تكمن في الحل غير الدستوري لتتوقف الحياة البرلمانية ويعطل الدستور قهرا؟ ام ان هناك اشياء اخرى لا نعلمها لكن من شأنها ان تحدث هذه الصدمة؟
هذه الصدمة هل يمكن ان تنعش الجسد الكويتي لتتحرك فيه دماء التنمية والازدهار مرة اخرى، كما ينتعش قلب المريض اثر الصدمة الكهربائية العنيفة أم انها تكرار للسوابق التي اثبتت انها فاشلة في إعادة صياغة المشهد الكويتي؟ الواقع الإنساني يشهد ان هناك صدمات عنيفة مرت عليه اثر الوقائع المأساوية فتحولت الى وقائع تنعم بالحيوية والانتعاش مثلما كان ذلك في الثورة الصناعية والبناء في اوروبا اثر الحروب العالمية وكذلك الثورة الفرنسية في اعقاب سقوط الباستيل وانجاز وثيقة حقوق الانسان.. الخ.
وحتى حرب تحرير الكويت من براثن الاحتلال الصدامي اعادت تشكيل الواقع العراقي المأمول تناميه تدريجيا نحو الاستقرار والازدهار.
فأين تكمن هذه الصدمة الكويتية الجديدة المرتقبة: في المجلس أم في الحكومة أم في الاثنين معا؟!