عبدالهادي الصالح
في مقالنا «حوار عند عتبات البقيع» والذي نشر في «الأنباء» في هذه الصفحة بتاريخ 15 ديسمبر الماضي في اعقاب عودتنا من الحج وما سطرنا فيه من المنجزات السعودية الرائعة في مجال راحة الحجاج والزوار ودعونا فيه كذلك الى استكمال ذلك بتنظيم الحوار المغلق بين المدارس الفقهية الاسلامية لمواجهة الاختلافات بينهم فيما يتعلق ببعض السلوكيات التي طالما ادت الى الشجار والتلاسن بين حراس مقبرة البقيع وبعض الزوار نتيجة منعهم من زيارة ائمة اهل البيت النبوي عليهم السلام وبقراءة نصوص الزيارة عبر الكتيبات المرفقة معهم وانا شاهد عيان على ذلك.
وللأسف حدث ما توقعناه من احداث صدامية عنيفة في الايام القليلة الماضية وفي رحاب نبي الأمة ( صلى الله عليه وسلم ) بالقرب من المسجد النبوي الشريف، للأسباب ذاتها، وكان يمكن ان تشتعل نار الفتنة وتستعر الى ما لا يحمد عقباه لولا حكمة القيادة السعودية برئاسة خادم الحرمين الشريفين وتواصلهم مع المرجعيات الدينية الشيعية السعودية في المنطقة الشرقية الذين شكلوا وفدا الى مليكهم حيث عبروا عن رأيهم في هذه الحوادث المؤسفة وقدموا مقترحات لحل هذه المشكلة جذريا، وفي تصريح له قال سماحة العالم الديني السعودي السيد حسن النمر «انا شخصيا اجزم بأن الاحداث ليست برضا من القيادة العليا لهذه البلاد»، معتبرا ان التغييرات الوزارية والادارية التي اعلنتها السعودية مؤخرا تنم عن رغبة صادقة وجادة لدى خادم الحرمين في إحداث تغيير وتطوير يدفع بالمملكة الى الأمام.
وقد اصدر عدد من العلماء والهيئات الدينية في المنطقة الشرقية بيانات شجبت فيه المتسببين بالأحداث المؤسفة داعية الى معالجة نتائجه واثاره، وقد تفاعلت القيادة السعودية وردت تحية التواصل معها بتحية افضل منها عبر ما تحدثت به وسائل الاعلام عن اوامرها بإطلاق سراح المعتقلين.
وقد علق المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله عن ذلك بقوله «ان البعض اراد للحوادث في البقيع ان تتحرك في الجانب المذهبي (سني ـ شيعي) الذي ينعكس سلبا على كل الجهود الآيلة الى تعزيز الوحدة الإسلامية وحماية خط الانفتاح والحوار بين جميع الفئات والمذاهب في السعودية».
وانا اعرض ذلك اتحسر على معالجتنا «الديموقراطية والدستورية» عبر نوابنا الأفاضل الذين لم يتحملوا كلمة القضاء العادل للفصل في اتهام احد خطباء المنبر الحسيني بالمس بصحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وطالبوا بإبعاده قسرا والا استجوبوا رئيس الوزراء وما كان من حكومتنا العتيدة الا ان استجابت وانبطحت امام هذه الرغبة التي تنافي الديموقراطية والدستورية، طلبا لرضائهم والغاء مشروع الاستجواب! وها هي الايام القليلة بعدها تسفر عن رفع استجوابين ضد سمو رئيس مجلس الوزراء وبالتالي الحكومة خسرت الموقف اللائق بها باحترام المواد الدستورية التي تبرئ المتهم حتى تثبت إدانته وحرمته من حقه في التقاضي، ثم مهدت لاستجوابات اخرى عندما كشفت عن ضعفها امام صراخ النواب، لا نعترض على مبدأ الاستجوابات، ونحن قلبا وقالبا مع الديموقراطية الرشيدة ومع الدستور بلا شك ولا ريب ولكن عندما يتحول الى ابتزاز وتستجيب الحكومة فهذه هي المصيبة الأعظم! السعودية لا توصف بمواصفاتنا الديموقراطية والدستورية ولكن رغم ذلك فانها في هذا الجانب اجتازت قضية هذه الفتنة الكبرى بحكمة وستواصل ان شاء الله تعالى حلها جذريا عبر التغييرات الهيكلية الدينية الاخيرة، بينما نحن نجتر بملل قضايانا دون معالجة فأصبحنا «مسخرة» حتى بدأ الناس عندنا يكفرون بالديموقراطية والدستورية.