الخال المرحوم الحاج أحمد صالح المحمد الصالح (بو عبدالمحسن) من رجالات الكويت، وهو رجل عصامي بمعنى الكلمة، بنى مؤسسته الاقتصادية بنفسه، فقد ترعرع في احضان عائلته التي تعاطت التجارة والمهن الحرفية من تجارة شراء وبيع اللؤلؤ (الطواشة) واستيراد البضائع من الهند (قبل التوسع في بلدان العالم) كالأساور النسائية والاقمشة بأنواعها، وصياغة الذهب من الحلي وتذهيب السيوف، وتجارة الأدوات الكهربائية.. تنقلوا خلال أسواق الكويت القديمة والحديثة كالسوق الداخلي وسوق سكة بن دعيج وسوق البنات والمباركية ثم شارع الجهرة (فهد السالم) والمرقاب.
ولذلك تولعت نفسه بالتجارة مغامرا رابط الجأش إزاء المخاطرة من توقع الخسارة المالية منذ ان كان فتى صغيرا عندما سافر الى السعودية لشراء وبيع السيارات ولعله ابتدأ بالرياض. ولهذا نلحظ عليه ونحن اطفال اقتناءه السيارات الفخمة التي تقف امام محلاته التجارية وامام بيت العائلة بشارع الميدان في منطقة شرق قلب الكويت القديمة، مثلما يسره اصطحابه لنا في سيارته ربما الكاديلاك اولاد وبنات اخوانه واخواته الى الكشتات (المتنزهات) خارجين من باب السور مرددين بفرح انشودة «طلعنا من باب السور بيرقنا بيرق منصور». ومازال عيال منطقة واو (الدسمة حاليا) يذكرون جيدا سيارته الطويلة ذات الأبواب الثمانية (اسمها shuker او اسم قريب من ذلك) وهي تمر بانسياب لتوصيلنا إلى مدارسها: الرشيد وامنة واليرموك وقتيبة.
لكن الحجي الخال احمد توسع في طموحه التجاري الى التجارة المتعددة في الاقمشة ثم الملابس والأدوات العسكرية (بحكم خبرته اثناء عمله العسكري في فترة من حياته)، ونجح في اقتناص عروض المناقصات قبل ان يقتحم سوق العقار ويتوسع فيها.
لكن النشاط التجاري لم ينسه تربيته الدينية حيث انه ابن العائلة الملقبة بـ «البكاي» نسبة الى جده محمد الكثير البكاء على سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ولهذا كانت وقف جدنا الحاج محمد بن صالح بن الناصر الحسينية التي أسسها في بداية القرن الماضي «الحسينية الكاظمية ـ نسبة الى الامام موسى الكاظم عليه السلام» تعرف بـ «حسينية البكاي». وكذلك فهو من المترددين على المساجد حتى في احلك ظروف الغزو البعثي العراقي.
وتربيته هذه واضحة في أحاديثه مع جلسائه في تلاوته للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والحكم والأشعار، مثلما مدت يده بالعطاء الخيري والوطني ما علم منه ولعل ما اخفاه اعظم واجل، وكان رحمه الله قد وعدني بتبرعه بأرض لبناء مسجد ولكن يبدو أن الأجل المحتوم لم يمهله طويلا.
حاول ان يدخل غمار السياسة عندما ترشح لاحد فصول مجلس الامة في الستينيات، لكنه ابتعد عنها عندما التفت عنه، لكنه كان داعما لبعض العناصر المرشحة ومن ذلك ان سلمني بيتا كاملا كمقر انتخابي اثناء ترشحي لانتخابات مجلس الأمة 1996 في بنيد القار.
كان ذي ارتباط اجتماعي بتواصله مع الناس في مناسباتهم حتى في ظروفه الصحية الصعبة، وخاصة عائلته، وكان يمتلك تسلسل العائلة الى القبائل العربية، وهو يؤكد اننا ننحدر من بلدة «المجمعة» في شبه الجزيرة العربية، ولنا هناك ابناء عمومة، وليس من الاحساء كما هو مشهور لدى الناس. ودائما يتودد بلطف وحنان مع الاطفال ويداعبهم بابتسامة: «انت ولد البكاي ولا الصالح؟».
رحمه الله تعالى وجمع الله بينه وبين من يحب من الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين لاسيما النبي المصطفى وآله الطاهرين.
شكرا لكل المعزين، وأعتذر لعدم تواجدي بسبب سفري إلى العتبات المقدسة في العراق.
[email protected]