عبدالهادي الصالح
بعض المشاكل التي يدور حولها الكلام، ربما تحتاج الى اعمال احصائية واستبيانات ومحللين وخبراء حتى يمكن الوصول الى مدى عمق وحجم هذه المشكلة أو تلك وهل هي تشكل ظاهرة عامة في المجتمع؟ وكيفية معالجتها للقضاء عليها.
لكن المشكلة السياسية التي تمر بنا كمواطنين اننا لا نحتاج لمثل تلك الادوات والآليات للتشخيص، مشكلتنا واضحة جاهرة تتفاقم يوما بعد يوم ومن ازمة لأزمة اكبر دون ان يلوح في الافق حتى الآن حل لها، حتى من يسمون بأنهم اقطاب مجلس الامة وفرسانه الذين كانوا دوما يمتشقون سلاح الاصلاح والمعارضة الراشدة قد «ملوا وطقت چبودهم» وتعبوا من نواب كهؤلاء وحكومة كهذه، ولذلك عزف بعضهم عن ترشيح نفسه والبعض الآخر لايزال مترددا ترددا اقرب للاعتذار عن الترشح.
مجتمعنا كله يضج بالاحباط والملل لدرجة اليأس، وهو الامر الذي يردده المرشحون في ندواتهم، ويطالبون الناس بعدم اليأس، ماذا ينقصنا ـ والكمال لله سبحانه وتعالى ـ المال؟ العقول؟ الشباب؟ استقرار نظام الحكم؟ الدستور والحريات والحقوق والديموقراطية... إلخ، أليست كلها متوافرة بحمد الله، اذن اين مشكلتنا؟ ببساطة ارى ان مشكلتنا تشابه مشكلة العراقيين اليوم في بلدهم: ديموقراطية وحريات لدرجة الفوضى، لكننا بحمد الله لا يدور بيننا السلاح والمفخخات والمتفجرات؟
ورغم اننا تعايشنا مع الديموقراطية الحقيقية قبل اكثر من 40 عاما! نحن نحتاج الى الحكمة والى تطبيق القانون بحذافيره وعلى قدر المساواة والعدالة، للاسف ثقافتنا عموما تميل الى التجاوز والواسطات والمحاباة والمقايضات والترضيات، واللعب السياسي القائم على كل تلك التجاوزات، والآن كلنا تحت وطأة هذه الفوضى أصبح عندنا ثقافة اصرخ وتحدى في وجه الحكومة وهدد بالمواجهة حتى يستجاب لك؟ اما الهادئون المتمسكون بالقانون وادواته السمحة فهؤلاء ـ حيث لا ازعاج ولا عوار راس منهم ـ اتركهم الحين حتى يكون لهم ثقل ووزن في الساحة «الصيّاحيّة»، حتى اصبح عندنا فنانون سياسيون كبار تمرسوا على قلب الحقائق، تفننوا في تنظير الفوضى ضد القانون، فهم ينادون بالاصلاح والحفاظ على المال العام وهم اول من يقف ضد فرق ازالة التعدي على املاك الدولة، ويطالبون بالمساواة وتكافؤ الفرص وهم اول من يعمل ليل نهار من اجل تكريس فئته هنا وهناك ومن وراء وامام الكواليس بلا خجل ولا حياء، والحكومة للاسف كانت مستمتعة ومطمئنة الى ترضياتهم وموالاتهم، ولكن النتيجة انهم انقلبوا عليها لأنهم كنار جهنم يقال لها هل امتلأت، فتقول هل من مزيد؟ بل عضوا حتى اليد التي اغدقت عليهم بالسخاء والدعم السياسي، فهل من متعظ فيتعظ؟ لأنه للاسف لن تحل مشكلتنا لا حل مجلس الامة ولا انتخابات جديدة ولا اقالة حكومة أو استقالتها، بل نحتاج اليوم تطبيق الدستور والقانون بالعدالة والمساواة وبشفافية تامة كالمطبخ النظيف الذي يعد أطباقه من وراء الزجاج الشفاف امام اعين ناظريه بكل ثقة واطمئنان.
عكس المطبخ القذر الذي يعد اطباقه من خلف الجدران المغلقة أو حتى تحت الطاولات.