طالما كنت اصفها بالمرأة الصابرة المجاهدة، هكذا حياتها تستثمرها في عمل الخير والدعوة اليه، كانت اما لتلميذاتها قبل ان تكون مدرسة تعتني بهن بإرشاداتها التربوية والدينية التي توحد ولا تفرق، حملت هذه المهمة الربانية معها اينما ذهبت تسعى لفعل الخير، ولا انسى انها سعت لي في اختيار ام عيالي الغالية فكان نعم الاختيار وجزاها الله خيرا كثيرا. لا تنسى حتى ارحامها واحبابها الاموات واحدا واحدا بإهدائهم من الصلوات التطوعية، وتلاوة القرآن الكريم، والصدقات، حتى كنت اشفق عليها وأقول لها يكفي شرعا صلاة واحدة تهدى للجميع، لكنها تريد ان يصل خيرها لكل منهم بالتمام والكمال مثلما كان الحنان يتدفق منها لأرحامها الاحياء تتفقدهم بالسؤال والوقوف معهم في السراء والضراء.
أما الصدقات فيداها الكريمتان مفتوحتان للفقراء والمحتاجين أينما وجدوا، بالسر والعلانية، الآن عرفنا انها كانت تصرف راتبا شهريا لاحداهن، وأخرى تقف امام الملأ جنب قبرها ومازال رطبا: «اشهدوا انها كانت صاحبة الفضل على ابنتي حتى تخرجت دكتورة».
ولأنها كانت مؤمنة تقية فلقد ابتليت بابتلاءات تهد الجبال الرواسي من باب الحديث الشريف «ان عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء..» رزقت بولدها البكر أحمد لكن فرحتها به امتزجت مع آلامها وتفطر قلبها الحنون عليه وهو يعاني اعاقة شبه كاملة دارت العالم تبحث عن اي فرصة لعلاجه لكنها استسلمت لأمر الله وقدره.
وتحملت بكل الرضا العناية الكاملة به بنفسها مباشرة، سخرت وقتها قرابة الخمس والعشرين سنة بلا شكوى ولا انين. حتى اذا رد الله أمانته منها، وقال الناس توهما «الآن ارتاحت.. الآن تشوف روحها..» ولكن لولا سخط الله لهلكت شوقا لـ «المدلل»، كما تصفه محبة ولم تمض سنوات حتى ألم برفيق دربها ابي احمد طارئ صحي جعله جسدا لا يقوى على المشي والوقوف الا بمساعدة، فاستأنفت هذه المرأة جهدها برا وحبا لزوجها الذي اختارته رجلا شهما مازال يحترمها ويبرها ويقدرها ايما تقدير حتى آخر لحظة في حياتها وما ان تكيفت سعيدة مع دورها الجديد، حتى داهمها المرض فتتشافى منه، حتى يأتيها مرض آخر.. وهي الصابرة المؤمنة.
سعت الدنيا اليها بزينتها وبهرجتها في سعة ورغد من المعيشة.. ولكن ابت نفسها دائما الا ان تكون شاخصة الى الآخرة. كان آخر حظها من الدنيا ان تودعها بغسل ووضوء وصلاة وقرآن قبيل ان ترمي بجسدها الطاهر الى الموت. الآن ادركنا انها ارتاحت، ولكن تركت في قلوب محبيها الحزن واللوعة. ولكن لا نقول الا ما يرضي الرب عزّ وجلّ «انا لله وإنا اليه راجعون»
خالتي نرجس بنت الطواش صالح بن محمد الصالح الناصر.. لك كل الحب والوفاء. لك اللقاء الآن مع من كنت تحبين وتتولين، مع النبي محمد وآله الأطهار ومن والاهم من الصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.. هنيئا لك ام احمد رحمك الله.. يا ام الخير والحنان.
[email protected]