عبدالهادي الصالح
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» (البخاري ج2 ص185.. وغيره) وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في قيامها وقعودها، من فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ).
قالت: وكانت إذا دخلت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها» (انظر الحاكم/ مستدرك الصحيحين/ ج3 ص154.. وغيره).
لا يشك أحد من المسلمين في مكانة ووجاهة فاطمة الزهراء عليها السلام في الإسلام في خلقها وخُلقها ومواقفها وجهادها حتى أجمعوا على صحة تسميتها «بسيدة نساء العالمين» بحسب الحديث الشريف عن أبيها ( صلى الله عليه وسلم ) وكان من حنانها ووقفتها لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى سمّاها ( صلى الله عليه وسلم ) «أم أبيها».
أقول كم هي مظلومة هذه السيدة الجليلة العظيمة ان تُغيَّب من أدبيات عموم المسلمين، فلا ترى إشارة إلى منقبة من مناقبها الكثيرة ولا إلى وقفة من حياتها المليئة بالصور المشرفة.. إلا أندر من النادر! أليس ذلك إجحافا بحق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذي أنزلها هذه المنزلة العالية الكريمة، بل لا نجد حتى أثناء المعارك الطاحنة بين الفريقين المؤيدين والمعارضين للمشاركة السياسية للمرأة اي التفاتة إلى الزهراء (ع) ومشاركتها السياسية لأبيها أثناء دعوته للإسلام وكيف تحملت الشقاء والحرمان والهجرة عن ديارها بسبب ذلك ووجودها معه في غزواته ومنها «احد» و«الخندق» تداوي الجراح وتطعم الجوعى، بل انظروا كيف اعدت اولادها للفداء والتضحية وربتهم مع شريك حياتها بطل الإسلام الإمام علي بن ابي طالب (ع) حتى كانت مواقف الإمام الحسن (ع) في محنته والإمام الحسين (ع) في كربلاء وابنتها بطلة كربلاء زينب (ع) التي كانت مثال التضحية والصبر وحسن حفظ الجبهة الداخلية لأخيها الشهيد، وما عملت على نقل ثقافة معركة الطف إلى ما بعد كربلاء، علاوة على كونها الأم والزوجة التي رعت حق بيتها دون ان تغفل عن روح العطاء وحب التكافل مع المعوزين حتى سجل القرآن الكريم موقفها مع عائلتها في إطعام المسكين واليتيم والأسير لتقرأه الأجيال عالم بعد عالم كيف يكون الموقف لوجه الله خالصا (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ـ الإنسان آية 9)، بل أين المسلمون من مشاركتها السياسية المباشرة عندما جاءت إلى مركز الحكم للخليفة الأول أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) وحاورته أمام حشد من الجماهير دون ان يمنعها من ذلك ما يسمى بصوت «المرأة عورة» خاطبته في الشأن العام حول قضية «فدك» وأخذت تلقي بالأدلة والبراهين بعد ان ابتدأت بمقدمات الشكر والحمد لله رب العالمين على نعمائه التي لا تعد ولا تحصى، ثم نعمة النبوة وما عمله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من جهود حيث اخرج أمته من الظلمات الى النور، فكانت خطبتها بليغة جدا تعد وثيقة تاريخية، لكن السؤال يتكرر لماذا هذا الحجب المستمر لسيرة الزهراء (ع) التي كم هي عظيمة؟ وعظمتها امتداد لعظمة النبي ( صلى الله عليه وسلم )، فالسلام عليك يوم ولدت ويوم وفاتك في مثل هذه الأيام، رزقنا الله تعالى شفاعتك ومحبتك يوم القيامة، إنه سميع مجيب.