يحرص بعض زوار مرقد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف الأشرف، على ان يتشرفوا بزيارة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني حفظه الله. حيث يقع منزله المتواضع جدا على بعد حوالي دقيقتين مشيا من المرقد الشريف في زقاق ضيق وقصير متفرع من سوق يعج بالناس المشاة زوار الإمام والمتسوقين بمحلات بيع الملابس والاكسسوارات الرخيصة، مع المطاعم والحلويات الشعبية. ويعرف مدخل بيت السيد بوجود رجال بلباس عسكري ومدججين بالسلاح على ناصية الشارع، وإذا دققت النظر ستلمح مجموعة كاميرات مراقبة زرعت بين يافطات إعلانات أعلى الدكاكين من بين شرباكة وايرات الهواتف الأرضية وكيبلات الكهرباء والتي تذكرك بشرباكة البلاليط.
من الصباح الباكر يتقاطر الزوار لطلب زيارة السيد، فيقوم رجال امن او نظام بفرز وتوزيع الضيوف على أوقات محددة تنتهي قبل أذان الظهر على ما يبدو. وطلب من الزوار من دول مجلس التعاون الخليجي، التواجد في الساعة العاشرة مع ابراز الجواز للإثبات. حيث وقفنا طابورا ووزعت علينا أكياس نايلون لتفريغ كل شيء في جيوبنا فيها حتى ورق الكلينكس، ما عدا الجواز والنقود فقط، ونسلم الاكياس الى مسؤول الأمانات، كما تسلموا نسخة من كتابي الجديد (الأوقاف الجعفرية الكويتية) لفحصه قبل تسليمه كإهداء مني لسماحة السيد. ثم خضعنا لتفتيش آلي إلكتروني ثم يدوي. وكل ذلك يجري في هذا الزقاق الضيق وسط جدران بيوتات متهالكة، كان من بينها جار السيستاني بيت سماحة آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي الإمام الاسبق في مسجد النقي عندنا بالدسمة (للأسف عندما حاولنا استضافته الى الكويت اعتذرت وزارة الداخلية بالمنع من الدخول).
بعد هذه الاجراءات الأمنية المشددة صاح احد رجال الأمن أو المنظمين للتأكيد «جميعهم خليجيون» ثم دعونا للسير بضعة أمتار الى ممر في بيت آخر ملاصق، ودعونا لنزع احذيننا قبل ان ندخل الى غرفة حيث جلسنا على بسط، وتزين الغرفة بانكة (مروحة سقفية)، ووايرات الكهرباء الموصلة ظاهريا ولكنها مرتبة بعناية، تذكرنا بغرف بيوتنا الكويتية القديمة في أول عهدها بالكهرباء.
ثم دعونا مرة أخرى للانتقال الى بيت آخر مجاور للانتظار كذلك في غرفة مشابهة للاولى. وبعد برهة وبعد توزيع عبوات الماء، دعونا الى غرفة اخرى متواضعة كذلك حيث نبهنا بضعة رجال قد أحاطوا بسماحة السيد السيستاني الذي فوجئنا به جالسا في الزاوية على تخت خشبي مثل كراسي القهاوي الشعبية عندنا، مفروش ببساط خفيف وعن يساره قنينة ماء بلاستيكية بجانب لفة ورق الكلينكس. «رجاء يا اخوان فقط السلام بالمصافحة.. بدون تقبيل...السيد لا يقبل تقبيل يده».
ورغم ذلك لم يلتزم البعض، ولكن السيد كان يسحب يده عن التقبيل ثم أخذ كل واحد منا مقعده من الكراسي البلاستيكية المقابلة والقريبة منه. ومقارنة بصوره المتداولة، بدا السيد نحيلا، ووجهه مبيضا تزينه لحية بيضاء اقل كثافة. وبعد شيء من الهدوء، بدأ السيد الحديث موجها كلامه لنا بالبسملة والصلاة والسلام على النبي وآله الأخيار، ثم بالتحية والسلام علينا. ثم تحدث بحنان ناصحا بأن محبة أهل البيت عليهم السلام وزيارتهم شيء طيب ومبارك، ولكن الأهم ان نتخلق بأخلاقهم العالية، وإياكم والتصادم مع السُّنة، وأكد مرة اخرى انهم ليس إخواننا فحسب بل هم أنفسنا تماما. ثم عرج على الكلام من هذه الجهة أو تلك التي تعيب أو تنتقص من قدركم... (دون ان يسمي احدا) ان تكون مواقفكم كما هي مواقف أئمة أهل البيت عليهم السلام عندما تعرض لهم مبغضوهم: ان كنا كما تقولون، فإنا نستغفر الله ونتوب إليه ونسأله الهداية والصلاح، ونتعوذ من الشيطان. وان كنتم غير صادقين في اتهاماتكم لنا، فإنا ندعو لكم بالمغفرة والتوبة والهداية والصلاح. (ما مضمونه وليس نصا).
حديث أخلاقي عام ولكن يلمس واقعنا الإقليمي الملتهب، من رجل يرجع الى فتاويه ويلتزم بها ملايين الناس في مختلف بقاع العالم. وببضع كلمات بخط قلمه يحرك الملايين كما حصل في تكوين الحشد الشعبي العراقي للدفاع عن الوطن والمقدسات وشرف الرجال والنساء، وحسب ان المقتول منهم شهيد إن شاء الله.
[email protected]