عبدالهادي الصالح
ونحن نشق طريقنا من مطار مشهد الى الفندق القريب من الحرم الرضوي وكانت الساعة تشير الى الثانية بعد منتصف الليل فوجئنا بجموع من الشباب الايراني يتجمهرون في الشوارع عشية اليوم الأخير للانتخابات الرئاسية، بعضهم يحمل الأعلام والبعض الآخر يلوح بصور المرشحين، والجميع كل يهتف بالشعارات لمناصرة من يؤيدون من المرشحين الأربعة وكان منظرهم بالفعل يكشف انغماسهم بالحيوية السياسية والحماس رغم ان بعضهم لم يتجاوز السادسة عشرة من أعمارهم، حيث يحق لمن بلغ الخامسة عشرة الانتخاب وهذا ما رفع عدد الناخبين الإيرانيين، وقد لاحظنا من خلال حديثنا مع أصحاب التكاسي أنهم مع التصويت للرئيس الإيراني أحمدي نجاد، فهو كما قيل رجل خرج من رحم الطبقة الشعبية الفقيرة ويتفهم همومهم عن معايشة فعلية، كما أنه واضح وصريح في مواقفه المعلنة وعكس خصومه الذين يرون أنه أحرج بلاده بمواقف تفتقر إلى الديبلوماسية، فالناس هنا يرون في ذلك قوة مكنت هيبتها وشدة مراسها في المجتمع الدولي وإن أظهرت بعض الدول خلاف ذلك، ولعل النهج الأميركي الجديد في عهد الرئيس أوباما في التعامل مع الملف الإيراني والمطالبة الأميركية بالحوار مع إيران دليل على ذلك، ما أثار مخاوف الحلفاء العرب من التأثير السلبي على العلاقات العربية ـ الأميركية، فالأميركان ليس أمامهم إلا طريق الحوار بعد أن سقطت الخيارات الأخرى سواء بالتهديد والوعيد وبعد أن فشلت كل الوسائل الاستخبارية للتأثير الجوهري على القرار الإيراني، عندما سئل احد القادة العسكريين الإيرانيين الهاربين الى اميركا قبل سنوات، لماذا لا تقوم بالانقلاب العسكري على الجمهورية الايرانية؟ أجاب: كان سهلا ذلك لو كان القرار مرتكزا في رئيس الجمهورية او في حكومته، ولكن القرار السياسي يملكه الجمهور في الشارع، فالكل يصنع هذا القرار عبر تعاطفه الشديد مع جمهوريته الإسلامية، فهو بالفعل شعب متدين جدا.
سفرنا لمشهد لم يكن مقررا لاستطلاع الانتخابات الايرانية، ولم نخطط لهذا وانما كانت زيارتنا خاصة للتشرف بزيارة حفيد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) وهو الإمام الثامن في سلسلة أهل البيت عليهم السلام، حيث ترك الجميع الانتخابات وانخرطوا في الصلوات والدعاء لله تعالى وقراءة الزيارة للسلام على الإمام الرضا ( عليه السلام ) اللهم إلا خطبة الجمعة في احد المساجد الملحقة بالحرم الرضوي التي تمتلئ بالمواعظ والتوجيهات السياسية العامة، لكن هناك يافطة كبيرة تعلو منصة خطيب الجمعة وقد كتب عليها احد اقوال الإمام الرضا ( عليه السلام ) «كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي، بشروطها، وأنا من شروطها»!
مشهد ـ إيران