لا جدال أن العالم اليوم وكذلك الكويت يعيشان فسحة واسعة من تداول الآراء والمعلومات كرست بواقعية مفهوم العولمة بتحطيم الحواجز والحدود بين مختلف الأفكار، ما نشط حالة الجرأة والتحفيز للتعبير الفوري عن مزاجية الشخص قبل عقله، وهو ما أشعل معارك طاحنة عبر «هاشتاق» وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي مواجهة ذلك، سارع مجلس الأمة لتشريع مجموعة قوانين متسارعة من شأنها حماية الوحدة الوطنية وحماية الشخصيات الإسلامية المقدسة، وحماية المسموع والمرئي، والمطبوعات، وفي الطريق الآن قوانين عن كاميرات المراقبة، والجرائم الإلكترونية التي ستكون بالمرصاد لما يتم قوله او تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعية، ما أدى إلى وجود سخط وخوف بين الشباب لما هو آت علاوة على تقارير دولية تطالب الكويت بعدم التضييق على حريات التعبير عن الآراء، كما ان القضاء ينظر اليوم في قضايا كثيرة تورط أصحابها في كلام ممنوع!
لكن من الإنصاف ان نقول ان مجلس الأمة ليس فقط هو المسؤول عن ذلك، بل ان النواب يئنون من ضغوطات الشرائح الشعبية التي تتبادل الشكوى من المساس بمقدساتها أو كرامتها وازدراء معتقداتها أو التطاول عليها باتهامات الفساد والحرمنة.. إلخ، يعني هذا ان الناس التي تشتكي الآن من تقليص الحريات هي نفسها التي كانت تضغط على النواب.
السلطة الحكومية كذلك رأت من ناحية أن من واجبها حماية البلاد من فوضى الحريات المطلقة، ومن ناحية أخرى هي فرصة للقبض من حديد على المزعجين والمعارضين لها، يشجعها في ذلك مجلس أمة ناعم ومن السهل التعاون معه!
ومن البديهي أنه لا مكان للحرية المطلقة، فلابد من ضبطها وتنظيمها احتراما وحماية للإنسان نفسه. لكن الاتكاء على سلطة القانون فقط وإهمال الوسائل المعاونة الأخرى لن يأتي بالنتيجة المرجوة إلا بمزيد من الاحتقان السياسي أو كما جاء في المذكرة الدستورية «... وبغير هذه الضمانات والحريات السياسية، تنطوي الصدور آلاما لا متنفس لها بالطرق السلمية».
ومن تلك الوسائل المعاونة:
1 ـ تنظيم مركز للحوار الوطني والديني بسقف عال جدا، ومغلق عن الإعلام، وحشد الجمهور المتحمس.
2 ـ إعادة البرامج الحوارية الجادة والمنضبطة بين جميع الأطراف إلى الأجهزة الإعلامية الرسمية.
3 ـ تكريس التعددية الدينية وقبول الآخر، ليس عبر نصائح المؤسسات الحكومية فحسب، وإنما كذلك بواقعية وعملية باعتماد التعددية في المناهج الدينية والتاريخية، وذلك في المدارس والتعليم العالي، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، لأن العداء الديني في الغالب ناجم عن الجهل بالآخر.
4 ـ تشجيع المساجد الموحدة التي تتيح الفرص العبادية لمختلف المدارس الفقهية في مكان واحد.
5 ـ إنشاء صندوق وقفي عام يدعم المشاريع التي تكرس الوحدة الوطنية وتحد من النزاعات والاختلافات السلبية.
6 ـ رصد جوائز تقديرية على مستوى الدولة لكل مساهمة أو إنجاز وطني أو ديني أو سياسي أو اقتصادي يزيد من اللحمة والتآخي الوطني.
7 ـ إعطاء زخم واسع ورسمي وشعبي للاحتفال بالمناسبات العالمية ذات الصلة كيوم التسامح العالمي، واليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية، والوحدة الاسلامية في الذكرى السنوية للمولد النبوي الشريف.. إلخ.
نعم، هل نعيش أزمة حماية الرأي.. أم ممارسة سيئة للديموقراطية؟
[email protected]