هاجم «داعش» الكويت في مسجدها الصادق في قلب العاصمة مستخدما آلة الحرب فسقط الشهداء وأصيب الجرحى ودمر المسجد، ولا يزال يتهدد ويتوعد فهل من يشكك أنها حرب؟ قالها وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد في كلمته التأبينية بمجلس الأمة: «نحن في حالة حرب..».
القيادة ممثلة بصاحب السمو الأمير ذابت في آلام الشعب فتواجدت في عمق الفاجعة، الجبهة الداخلية استنفرت متلاحمة بالوحدة الوطنية وامتزجت دماؤهم تبرعا للمصابين، واتشحت دواوينهم بالسواد وأبكتهم بيوتهم. الشباب ابدوا تعاونا مع الجهات الأمنية لحماية المساجد والحسينيات، الأطباء ومعاونوهم والإطفائيون والقوات الأمنية تواصل الليل والنهار مشكورة لتعقب ذيول هذا الإرهاب الأسود. والإعلاميون والكتّاب والفنانون والتجار والقائمون على المرافق الحيوية هرعوا جميعا للقيام بمسؤولياتهم الاختصاصية والوطنية، وهم مستعدون لتقديم المزيد تلبية للواجب الوطني.
هذا ما عند الشعب، فماذا يمكنكم أيها السلطات الحكومية والبرلمانية ان تقدموا في هذه الحرب المفروضة علينا من إجراءات وقائية ودفاعية؟ لسنا هنا إلا مذكرين فأنتم سنام صناعة القرار.. ومن ذلك ما يلي:
1 ـ لهذه الحرب إجراءات وأبعاد ذات صلة بالتعاون الأمني الإقليمي والتنسيق السياسي الخارجي، نتمنى ان يسير على نمط التحالف الدولي الجاد الذي سخره الله لتحرير الكويت من غزو أغسطس 1990، ليستأصل ذاك الطاعون الأسود من داخل عقر داره، ولنتذكر جيدا أن الظلم له آثار إلهية على الظالم والمعاون عليه.
2 ـ المضمون الداخلي لهذا المعتدي قائم على فكر ديني منحرف ومتطرف، فينبغي مواجهته بمزيد من الجدية بالتوعية في المفاهيم والأحكام الإسلامية المتفق عليها بين جميع فقهاء المسلمين، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد وموارد الشرك والتكفير المتفق عليها، والعلاقة مع سلطات المجتمع، ومسؤولية الحفاظ على النظام العام للمجتمع الإنساني.
3 ـ كنا جميعا نردد ان مشكلة «البدون» هي قنبلة موقوتة ويبدو ان توقيت انفجار احداها قد حل في مسجد الإمام الصادق عليه السلام، التحقيقات الأمنية المنشورة أوضحت أن الفقر والجهل والبطالة هي بيئة خصبة لانتقاء عناصرها الانتحاريين.. فإلى متى استمرار تأجيل معالجة مآسي هذه الفئة؟
4 ـ التوقف عن مهادنة الأفكار التكفيرية ورموزها، الذين لا يتورعون عن إظهار طموحهم الاستقصائي وتطلعاتهم المتطرفة، فإن التجربة قد برهنت على أن حسابات الأمن العام ولو على المستوى البعيد ينبغي ان ترتقي أهمية على الحسابات والمقايضات السياسية القريبة.
5 ـ تبني سياسة التعددية الدينية في منهجية المؤسسات الحكومية ذات الصلة وعلى الأخص وزارات الإعلام والتربية والأوقاف، وذلك لإشاعة ثقافة الاطلاع المباشرة وبكل شفافية على معتقدات الآخرين وتنوع أحكامهم الفقهية، لأن الناس اعداء اذا ما جهلوا بعضهم. والجهل الديني بالغير يمثل فراغا سرعان ما يملؤه المستغلون من المتطرفين بافتراءاتهم وأكاذيبهم.
6 ـ إعادة النظر في مؤسسات ديكورية صرفت عليها ميزانيات بالملايين من قوت الشعب. كان يرجى ان تحقق اهدافها في نبذ الطائفية والتطرف واشاعة التنوع الديني والتسامح.. إلخ، ولكن يبدو جليا انها فشلت فشلا ذريعا، وانها اصلا هي بذاتها تحتاج الى من يصلحها.
ان مثل هذه الإجراءات تحتاج الى قرار شجاع يتسم بالقوة والثبات. فنحن الآن في حرب، ولا صوت نشاز يعلو على اسباب النصر ولسنا بحاجة لتصريحات وقرارات ومؤسسات وقتية مبنية على الفورة العاطفية. نعيش اليوم أجواء الوحدة الوطنية التي صفق لها العالم ابان الغزو الصدامي الغاشم. وكلنا كانت تطلعاتنا واحلامنا افضل حال بعد التحرير، ولكن للأسف جاءت الرياح الصفراء لتذرو تلك الأمنيات الجميلة. لنصحُ الآن مرة أخرى على وقع انفجار مسجد الامام الصادق.. فهل نتعظ..؟
[email protected]