بينما ننشغل في كل يوم بقضية داخلية جديدة يكثر حولها الجدل وتبادل الاتهامات في أجواء أقرب للهرج والمرج، يتسرب الإسرائيليون إلى مياهنا الخليجية بهدوء وصمت مريب، حيث يرفرف علمهم في بعض المؤتمرات الدولية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي بدعوى أنها (أي إسرائيل) ضمن عضوية هذا المؤتمر ولا يمكن تجاهلها، وهذا المبرر لم نسمع به في السنوات الماضية في ذات هذه المؤتمرات الدولية، وكأنه نوع من استغفال الشعوب العربية والإسلامية، رغم نفي أنها خطوة في ميدان الهرولة نحو التطبيع، ولا أدري كيف لا يكون التطبيع بعد حضور المسؤولين الرسميين الإسرائيليين واستقبالهم ومشاركتهم في منتدياتنا وتجوالهم في شوارعنا الخليجية، ومما يثير الغيظ والأسف، أن يجري ذلك ضمن أجواء المحاولة الإسرائيلية الحالية لتهويد المسجد الأقصى وطرد المسلمين الفلسطينيين منه، وضمن أجواء موافقة مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة على تقرير غولدستون الذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب باستخدام الفسفور الأبيض ضد الأهداف المدنية.
على الأقل لنتعظ من تجربة تركيا مع إسرائيل التي كان لها ما كان من الحظوة في اتفاقيات وتسهيلات تركية، لكن عادة اليهود في التاريخ والتي بيّنها القرآن الكريم أنهم دائما ينقضون الميثاق، ولم يتورعوا عن أن يقفوا ضد المصالح التركية فسارعت أنقرة لتحجيمهم بوقف التعاون معهم تمهيدا لإلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع اسرائيل.
ان مصلحة اسرائيل في منطقة الخليج العربي الآن وبإلحاح بأن تكون المنطقة منطلقا لنشاطها السياسي والعسكري ضد إيران في الشطر الآخر من الخليج، في الوقت الذي تدرك دول مجلس التعاون الخليجي أن مصلحتها تكمن في الابتعاد عن سياسة المحاور العسكرية، وطالما نادت بسياسة الحوار في احتواء المشاكل والقضايا السياسية العالقة، محذرة من استخدام أراضيها لأي نشاط أميركي أو إسرائيلي ضد إيران، لاسيما أن تجارب الحروب التي شهدتها المنطقة الخليجية تبعث على المرارة والحسرة على الخسائر البشرية والمادية والتي عطلت فصولا مهمة من الخطط الخليجية التنموية المقررة لاسيما عندنا في الكويت.
الجميع يعلم بأن هناك ضغوطا هائلة تمارس على دول مجلس التعاون الخليجي للتطبيع مع إسرائيل، وربما تضعف أمامها إرادة هذه الدول ـ كما هو واضح في هذا التغلغل الإسرائيلي في الخليج ـ ولكن تبقى إرادة الشعوب الخليجية المنطلقة من ثقافة الغيرة القرآنية هي الملاذ الأقوى للقرار الخليجي لمقاومة هذا التطبيع المذل، فلا بد من أن توفر الأجواء الصحية لتمارس هذه الشعوب دورها في مقاومة التطبيع الخليجي ـ الإسرائيلي بحرية وشفافية، وهي تشكل أكبر دعم للقرار الخليجي المستقل.
[email protected]