أنقل ما يلي من كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» المعروف بالخطط المقريزية لمؤلفه: تقي الدين أبي العباس المقريزي المتوفى سنة 845 هـ وهو كتاب تراثي يعتمد عليه رجال التاريخ والبحوث العلمية، وهو متداول في المكتبات العامة في الكويت، والنسخة المنقول منها عن دار الكتب العلمية بيروت ط 1 سنة 1998م: المشهد الحسيني (فقرات مختارة منا) منها ص 327 – 328.
يوم الجمعة يوم عاشوراء، خرج فيمن معه، وعبأ الحسين اصحابه، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا، واربعون راجلا، وركب ومعه مصحف بين يديه وضعه امامه، واقتتل اصحابه بين يديه، واخذ عمرو بن سعد سهما، فرمى به، وقال: اشهدوا اني اول من رمى الناس، وحمل اصحابه فصرعوا رجالا، واحاطوا بالحسين من كل جانب، وهم يقاتلون قتالا شديدا، حتى انتصف النهار، ولا يقدرون يأتونهم الا من وجه واحد، وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين، وحضر وقت الصلاة، فسأل الحسين ان يكفوا عن القتال حتى يصلي، ففعلوا، ثم اقتتلوا بعد الظهر اشد قتال، ووصل الى الحسين، وقد صرعت اصحابه، ومكث طويلا من النهار، كلما انتهى اليه رجل من الناس رجع عنه، وكره ان يتولى قتله.
فأقبل عليه رجل من كندة يقال له: مالك فضربه على رأسه بالسيف، قطع البرنس وادماه، فأخذ الحسين دمه بيده، فصبه في الارض ثم قال: اللهم ان كنت حبست عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم من هؤلاء الظالمين، واشتد عطشه، فدنا ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم، فوقع في فمه، فتلقى الدم بيده، ورمى به الى السماء، ثم قال بعد حمد الله والثناء عليه: اللهم اني اشكو اليك ما يصنع بابن بنت نبيك، اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا، ولا تبق منهم احدا، فأقبل شمر في نحو عشرة الى منزل الحسين، وحالوا بينه وبين رحله، واقدم عليه وهو يحمل عليهم، وقد بقي في ثلاثة، ومكث طويلا من النهار ولو شاءوا ان يقتلوه لقتلوه، ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض، ويحب هؤلاء ان يكفيهم هؤلاء.
فنادى شمر في الناس: ويحكم؟ ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم امكم، فحملوا عليه من كل جانب، فضرب زرعة بن شريك التميمي كفه الايسر، وضرب عاتقه، وهو يقوم ويكبو، فحمل عليه في تلك الحال سنان بن انس النخعي، فطعنه بالرمح، فوقع وقال لخولي بن يزيد الاصبحي: احتز رأسه، فأرعد وضعف، فنزل عليه، وذبحه، واخذ رأسه، فدفعه الى خولي، وسلب الحسين ما كان عليه حتى سراويله، ومال الناس، فانتهبوا ثقله ومتاعه، وما على النساء.
ووجد بالحسين: ثلاث وثلاثون طعنة، واربع واربعون ضربة، ونادى عمرو بن سعد في اصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه، فانتدى عشرة فداسوا الحسين بخيولهم، حتى رضوا ظهره وصدره، وكان عدّة من قتل معه: اثنين وسبعين رجلا، ومن اصحاب عمرو بن سعد: ثمانية وثمانين رجلا غير الجرحى، ودفن اهل الغاضرية من بني اسد الحسين بعد قتله بيوم وبعد ان اخذ عمرو بن سعد رأسه، ورؤوس اصحابه وبعث بها الى ابن زياد، فأحضر الرؤوس بين يديه، وجعل ينكث بقضيب ثنايا الحسين، وزيد بن ارقم حاضر، واقام ابن سعد بعد قتل الحسين يومين، ثم رحل الى الكوفة، ومعه ثياب الحسين واخوانه، ومن كان معه من الصبيان، وعلي بن الحسين مريض، فأدخلهم على زياد، ولما مرت زينب بالحسين صريعا صاحت: يا محمداه هذا حسين بالعراء! مزمل بالدماء! مقطع الاعضاء! يا محمد بناتك سبايا، وذريتك مقتلة فأبكت كل عدو وصديق.
وفي ص 436 – 437 يتحدث المقريزي عن يوم عاشوراء عند الفاطميين ثم ما حدث بعد زوال دولتهم من ردود الفعل.
يوم عاشوراء: كانوا يتخذونه يوم حزن تتعطل فيه الاسواق، ويعمل فيه السماط العظيم المسمى: سماط الحزن، وقد ذكر عند ذكر المشهد الحسيني، فانظره، وكان يصل الى الناس منه شيء كثير، فلما زالت الدولة اتخذ الملوك من بني ايوب يوم عاشوراء، يوم سرور، يوسعون فيه على عيالهم، ويتبسطون في المطاعم، ويصنعون الحلاوات، ويتخذون الاواني الجديدة، ويكتحلون، ويدخلون الحمام جريا على عادة اهل الشام التي سنها لهم الحجاج في ايام عبدالملك بن مروان، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن ابي طالب، كرم الله وجهه، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء، وحزن فيه على الحسين بن علي، لانه قتل فيه، وقد ادركنا بقايا مما عمله بنو ايوب من اتخاذ يوم عاشوراء، يوم سرور وتبسط.
السلام عليك يا ابا عبدالله الحسين وعلى ابائك الطاهرين وابنائك المعصومين، يابن رسول الله، يابن امير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء، صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
[email protected]