دخلت علينا عاملة منزل جديدة بهمة ونشاط، تنظيفا وترتيبا، وخلق جم، تجيد فن المخبوزات الفرنسية اللذيذة، كما هي لغتها، توطدت معها العلاقة العائلية خلال بضعة أسابيع حتى صارت فردا منا، حتى وصول إشعار من خدمة المواطن في «الداخلية» بلزوم إعادة الفحص الطبي لها قبل منحها صلاحية الإقامة، فبدأت رحلة المعاناة!
قامت بمراجعة فحص الدرن فقيل إنها سليمة، ثم فحص الدم بمنطقة الصباح، فقيل تراجع فحص الدم بمجمع الأوقاف في شرق، بالاشتراك مع محلات صاغة الذهب والخياطين ومحلات بيع الدراريع النسائية والمقاهي!
أخذوا منها عينة دم مرة اخرى، لنراجع بعد عشرة ايام «خدمة المواطن»، لتصعقنا بأوامر حاسمة بالقبض عليها ووجوب مغادرتها البلاد، راجعنا ادارة الصحة بمجمع الاوقاف لتحري إمكانية معالجتها، لكنهم أصروا على مغادرتها بسبب الاصابة بفيروس، ولكن «الداخلية» طمئنونا بأن مهلة وجودها سارية مع سريان سمة الدخول «الفيزا» أي بعد شهر، ولذلك قمنا بإعادة إجراء استقدام عاملة منزلية اخرى بديلة، لكن فوجئنا بصدور قرار منع كفالات ضدنا حتى تغادر الأولى، وحسب التعليمات لرفع منع الكفالات راجعنا مباحث الهجرة بمنطقة الضجيج، فتم تحويلنا الى ادارة التدقيق والمتابعة بمنطقة الصليبخات، وهناك مجموعة من الضباط الذين أحسنوا الاستقبال والتعامل وأوضحوا إجراءات التسفير، فوعدتهم غدا بتسليمهم العاملة المنزلية المريضة ومعها تذكرة السفر حيث لا رفع لمنع الكفالة الا بعد التسفير!
في طريق العودة للمنزل جاءتني مكالمة من الضابط نفسه ليصعقنا مرة اخرى: خادمتكم مصابة بالايدز، وعليك تسليمها الان فورا، نعم فورا، أصيبت هي بالانهيار العاطفي بكاء ونحيبا، وتم تسليمها لهم مع متعلقاتها الشخصية، على ان تغادر البلاد بعد يومين حسب موعد الرحلة الجوية، وبينما نحن في انتظار مغادرتها لرفع منع الكفالة، فوجئنا مرة اخرى بتأجيل سفرها عدة ايام أخر بسبب خطأ في الوصول الى المطار.
ولم نتنفس الصعداء الا بعد رحلة مغادرتها.، بعد رحلتنا نحن مع المعاناة. نصيحة: مع الإشعار الأول بعدم لياقتها الصحية، لا تنتظر، فلتسافر عن طريق مكتب الاستقدام اختصارا لمعاناة المواطن، الذي هو ضحية تفشي الفساد في مراكز الفحص الطبي لدى بعض هذه البلدان.
[email protected]